إردوغان يغامر وبوتين يساير والأسد صابر
الموقف المحتمل للقوات الأميركية الموجودة شرق الفرات بمواجهة احتمال توغّل القوات التركية قد يساهم في ترسيخ التقسيم الذي تسعى إليه واشنطن منذ فترة طويلة، وسيطرة الجيش التركي على شريط حدودي بطول 480 كم وبعمق 30 كم سيخلق وضعاً معقداً في المنطقة.
بعد يوم من الإعلان عن افتتاح كليات مختلفة تابعة لجامعة غازي عنتاب التركية في كل من أعزاز والباب وعفرين السورية، فوجئ الجميع بالمؤتمر الصحافي الذي عقد في مدينة أورفا التركية يوم الجمعة الماضي وتم خلاله الإعلان عن دمج ما يسمى بـ"الجبهة الوطنية للتحرير" مع ما يسمى بـ"الجيش الوطني السوري".
حضر المؤتمر الصحفاي اللواء المنشق سليم إدريس بصفته وزير الدفاع في ما يسمى "الحكومة السورية المؤقتة"، وعبدالرحمن المصطفى رئيس ما يسمى بالإئتلاف الوطني المعارض، ومن خلفهما علم المعارضة السورية والعلم التركي وكأنهما مسؤولان تركيان.
وقال مصطفى "هذا الجيش الموحد سيواصل جهوده لتحرير الأراضي السورية من كل أنواع القهر والطائفية والديكتاتورية في سوريا، ولتحقيق السلام والأمن وفق مبادئ السلامة الإقليمية، وسيقدم الدعم لمعركة تركيا ضد الإرهاب شرق الفرات".
وأولت وسائل الاعلام التركية هذا الحدث أهمية كبيرة في ظل توقيته الذي سبق تصريحات للرئيس التركي رجب طيب إردوغان تحدث فيها عن احتمالات توغل الجيش التركي شرق الفرات بين ليلة وضحاها.
وقدرت المعلومات قوام الجيش الجديد بمئة ألف مسلح بعد انضمام كل المسلحين الذين توجهوا إلى الشمال السوري من مختلف أنحاء سوريا، والذين يشرف الضباط الأتراك على تدريبهم وتسليحهم، وهم يتعاونون أساسا مع الجيش التركي منذ دخول القوات التركية إلى جرابلس في 24 آب/أغسطس 2016، ومن ثم إلى عفرين بداية 2018، لتسيطر هذه القوات على الشريط الحدودي السوري من جرابلس إلى ريف اللاذقية الشمالي بطول 350 كم تقريباً.
ومنذ ذلك التاريخ، تشير المعلومات إلى مساعي أنقرة لتتريك هذه المنطقة عبر كافة الطرق والوسائل العسكرية والاستخباراتية والأمنية، وعبر كافة أنواع الخدمات كالجامعات والجوامع والمستشفيات والمدارس والكهرباء والمياه، وهي مساع يشرف عليها والي تركي مكلف من قبل إردوغان ويقيم في محافظة هاتاي.
وتقدر الأوساط التركية الرسمية عدد السوريين المقيمين في المنطقة المذكورة بحوالي مليونين، يضاف إليهم نحو مليون سوري مقيم في إدلب وجوارها.
الأوساط المذكورة لم تهمل الحديث عن حوالى500 ألف تركماني سوري يقيمون في المنطقة المذكورة أو كلاجئين سوريين داخل تركيا. هؤلاء لديهم فصائلهم المسلحة مثل مجموعة "السلطان مراد" أو مجموعة "السلطان عبدالحميد"، والتي تقاتل "من أجل حقوق الشعب التركماني في سوريا".
ويتقاطع حديث الإعلام التركي عن استمرار المباحثات التركية-الروسية الرامية إلى تقرير مصير إدلب بعيداً عن الأضواء، مع معلومات متداولة بأن تتخذ "هيئة تحرير الشام" (أي النصرة) قراراً بحل نفسها والانضمام إلى الجيش الجديد، أو أن تواجه الحرب مع الجيش التركي والفصائل الموالية له في حال لم تقدم على ذلك.
هنا يعود الرهان على عامل الزمن، فأنقرة لن تتخذ قرار الحرب ضد "جبهة النصرة" في حال دخول الجيش التركي شرقي الفرات، لأنها ستكون بحاجة إلى كل الفصائل المسلحة. هذا طبعاً في حال صحّت تهديدات "قوات سوريا الديمقراطية" التي قالت إنها ستتصدى للجيش التركي إذا ما دخل المنطقة.
الرهان الأهم في هذه الحالة ينصبّ على الموقف المحتمل للقوات الأميركية الموجودة في المنطقة، فإما أن تواجه القوات التركية أو تستدرجها ليساهم ذلك في ترسيخ التقسيم الذي تسعى من أجله واشنطن منذ فترة طويلة. فتوغل الجيش التركي شرقي الفرات وسيطرته على شريط حدودي بطول 480 كم وبعمق 30 كم سيخلق وضعاً معقداً في المنطقة التي يتكوّن سكانها من خليط عربي وكردي، تسعى أنقرة عبر الفصائل المسلحة التي ستنتشر هناك إلى إقامة فاصل بين كرد تركيا وكرد سوريا.
مثل هذا الوضع سيمنح أنقرة المزيد من أوراق المساومة مع موسكو التي كانت أشعلت الضوء الأخضر للجيش التركي عندما سيطر عام 2016 على غربي الفرات. وسيكون كل ذلك كافياً بالنسبة لواشنطن حتى تقوم بترسيخ كياناتها الكردية والعربية الانفصالية جنوبي المنطقة الآمنة التركية، لتعمل من هناك على زعزعة أمن واستقرار العراق وإيران أيضاً، بسبب تأثير وثقل وزن القيادات الكردية الإيرانية داخل وحدات حماية الشعب الكردية السورية، والتي يعرف الجميع أن عناصرها السورية قليلة أو غير مؤثرة.
كل هذه المعطيات ستضع دمشق أمام وضع صعب ومعقد جداً، مع استمرار نوايا أنقرة الخاصة بالشمال السوري غرب الفرات وشرقه، طالما أن الحل والحسم في إدلب ما زالا مؤجلين لحسابات روسية خاصة.
فقد منح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إردوغان أكثر من فرصة لدعم وترسيخ سياساته في سوريا وبشتى الوسائل، تجلّى آخرها في ما يسمى بالجيش الوطني الذي يأتمر بأوامر الأخير، والذي تحول إلى جزء لا يتجزأ من الجيش التركي.
معالجة هذا الموضوع بحد ذاته يحتاج لأكثر من معجزة مع استمرار كل الحسابات والمشاريع والمخططات التي أصبح إردوغان بسببها طرفا مباشراً في الأزمة السورية منذ بدايتها.
ويحتاج إنهاء هذا الدور إلى عبقرية الرئيس بوتين، وخياراته الفردية ليست كثيرة مع إردوغان بسبب انشغال شريكه الرئيس الإيراني حسن روحاني بالوضع العراقي الخطير الذي يريد له مخططوه أن يزعج دمشق، وهي الآن في وضع لا تحسد عليه وأملها الوحيد بالقيصر الروسي. وكما يقول المثل التركي "في رأسه مئة ثعلب".