ما وراء الاتفاق البحري الإيراني الروسي
ربما يكون الاتفاق البحري الإيراني الروسي غرضه دعم عسكري روسي لإيران وتعاون عسكري بينهما في الخليج وحرب بارِدة بين الولايات المتحدة وإيران.
أعلنت إيران في الخامس من أغسطس ( آب ) الجاري على لسان قائد القوات البحرية في الجيش الإيراني، حسين خانزادي، عن توقيع اتفاقيةٍ عسكريةٍ "سرّيةٍ" مع روسيا، قائلاً "بنودٌ من هذه الاتفاقية سرّية"، ولكن "للمرة الأولى يتمّ مثل هذا الاتفاق بين البلدين". تأتي تصريحات قائد القوات البحرية في الجيش الإيراني حول الاتفاقية السرّية بين إيران وروسيا، في حين سمحت الجمهورية الإسلامية للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية لروسيا بنَشْرِ قاذفاتها الاستراتيجية في قاعدة همَدان الجوية واستخدامها كمركزٍ لقصف بعض المناطق في سوريا. ماذا وراء هذا الاتفاق ؟ هل دعم إيراني ضد التواجد الأميركي في الخليج ؟ أم فقط استخدام قاعدة همَدان في ضرب مواقع في سوريا؟
وقد وضَّح حسين خانزادي، إنه "وقَّع هذه الاتفاقية نيابة عن القوات المُسلَّحة للجمهورية الإسلامية الإيرانية" مع وزارة الدفاع الروسية، مؤكِّداً أن هذه الاتفاقية "تُعدُّ نقطة تحوّلٍ في التعاون العسكري بين طهران وموسكو". وقال العسكري الإيراني: "بنودٌ من هذه الاتفاقية سرّية، والغَرَض العام من التوقيع على الاتفاقية هو تطوير التعاون العسكري بين البلدين، وبالتأكيد مُعظمه يشمل القوات البحرية للبلدين". وأضاف خانزادي إن "جزءاً من مفاوضاتنا مع الجانب الروسي يتضمَّن آفاقاً قصيرة ومتوسّطة وطويلة الأجل تهدف إلى توسيع التعاون الدفاعي الإيراني الروسي في جميع قطاعات القوات المُسلّحة للبلدين". وأشار قائد القوات البحرية في الجيش الإيراني أيضاً إلى المُحادثات مع الجانب الروسي حول بحر قزوين، لكنه لم يذكر تفاصيل، مُضيفاً أنه خلال الزيارة التي تمَّت إلى روسيا، "أجريت مفاوضات مُكثّفة حول تطوير التعامُلات الدفاعية والتعاون العسكري في منطقة بحر قزوين". كما أكَّد أن "هذه المُحادثات تدخل في إطار قمّة قادة بحر قزوين واتفاقية موقَّعة بيننا في وقتٍ سابق". وحول الأحداث الأخيرة في المنطقة، قال خانزادي: "إن المسرحية التي أطلقتها الدول الاستكبارية، وعلى رأسها أميركا وبريطانيا، هي مُجرَّد ادّعاءات فارِغة، وخطوة خادِعة، يريدون من خلالها الإيحاء بأن المنطقة تفتقد للأمن، في حين أن المنطقة آمِنة تماماً، وإن محاولاتهم للإيحاء بعدم توافر الأمن في المنطقة عبثيّة".
وربما تسعي إيران إلى تحالفٍ روسي إيراني قوي لمواجهة الضغوط الإقتصادية الأميركية عليها. في ظلّ ما تقوم به الولايات المتحدة من مُحاصَرَة إيران عسكرياً واقتصادياً لتتخلَّى عن سياساتها الطموحة النووية وقُدرتها الصاروخية ، ولتتخلَّى عن دعم حماس ودعم حزب الله اللبناني اتجهت الولايات المتحدة إلى إقامة القواعد العسكرية التي تحيط بإيران، هل من الممكن أن تقضي الولايات المتحدة - بما تمتلك من أسلحةٍ نوويةٍ وغير نووية - على إيران؟ وهل ستوجِّه الولايات المتحدة ضربة عسكرية لإيران؟ الواقع يقول استحالة قيام حرب بينهما حيث الرأي العام الشعبي الأميركي لا يوجد فيه إجماع على توجيه ضربة عسكرية لإيران، ويتضّح ذلك من استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة الأميركية. هناك دول تُعارِض ضرب الولايات الولايات المتحدة لإيران (الصين – روسيا – الهند – الاتحاد الأوروبي). قد تخترق أجواء أربع دول عربية لإيران نفوذ فيها (لبنان – سوريا – العراق – اليمن) ما يُهدِّد أمن إسرائيل الذي هو في مُقدِّمة أولويات السياسة الأميركية. توضع الولايات المتحدة في الحسبان القدرة الصاروخية الإيرانية وصدّ ومواجهة أية طائرات أو صواريخ تُطلَق عليها وأن هزيمة الولايات المتحدة قد تكون بداية انكسارها وتراجُع قوّتها.
اشتعال الحرب في ثماني دول في الشرق الأوسط ، الدول الداعِمة لضرب إيران (السعودية – إسرائيل – البحرين – الإمارات) والحليفة للولايات المتحدة الأميركية والدول المؤيّدة لإيران (العراق – اليمن – لبنان – سوريا). توقف صادرات النفط العربية وتعطّل حركة السفن في الخليج العربي ما يؤثّر على الاقتصاد الدولي. تأثّر التجارة الدولية كون المنطقة الخليجية ومنطقة المحيط الهندي في مُلتقى طُرُق التجارة الدولية. من الممكن انتقال الصراع إلى شرق أفريقيا بين الفريقين في الصومال وجيبوتي حيث مناطق النفوذ الأميركية والإيرانية وحلفاء كلاهما. توقّف الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس والبحر المتوسّط ما يُحدِث شللاً عاماً في طُرُق التجارة الدولية. تدهور الاقتصاد عالمياً واحتمالية قيام حرب عالمية ثالثة تقضي على الأخضر واليابِس لأنه قد يُستخدَم فيها السلاح النووي. هل تتفاوض إيران مع الولايات المتحدة؟ الواضح أن إيران لن تتفاوض وهي تحت الحِصار الإقتصادي والعسكري الأميركي حيث ترى رَفْع الحِصار والعقوبات الأميركية عنها لبدء التفاوض. ما المكاسب الأميركية من وراء ذلك؟
تسعى الولايات المتحدة إلى تدويل مضيق هرمز عن طريق مجلس الأمن لكن ذلك ستعارضه الصين وروسيا. ظهرت مكاسب الولايات المتحدة من استعراض قوَّتها العسكرية في العالم، وتحقّق المزيد من ابتزاز بعض دول الخليج بحجّة الحماية من إيران. ولعلَّ يفيق العرب وإيران ويعلمون أن عدوَّهم الحقيقي واحد الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل ما قد يدفعهم نحو مُصالحة مُستقبلية تقودها سلطنة عُمان والعراق. فربما يكون الاتفاق البحري الإيراني الروسي غرضه دعم عسكري روسي لإيران وتعاون عسكري بينهما في الخليج وحرب بارِدة بين الولايات المتحدة وإيران.