أزمة البحث العلمي في العالم العربي
كل المؤشرات تدل على استمرار ضعف منظومة الجامعات والبحث العلمي في العالم العربي ووجود مشكلات حقيقية تعيق تطورها وإنتاجها المعرفي ومساهمتها الضرورية في التنمية والإبداع. فالجامعات ومؤسسات البحث العلمي تكتسب أهمية قصوى في تنمية الاقتصادات الوطنية وتطوير الصناعات وابتكار التقنيات والاختراعات.
لا تنهض الأمم من دون تلبية حاجاتها الاقتصادية والتنموية، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال بلورة سياسة بحث علمي طويلة الأمد وتأمين الدعم الواسع لها. وعلى سبيل المثال فإن ماليزيا والمغرب كانتا في المستوى العلمي نفسه في بداية هذه الألفية، لنجد أن ماليزيا تتجاوز اليوم الإنتاج العلمي المغربي بمراحل، بفضل استراتيجية للبحث العلمي تشجّع الإنتاج العلمي والابتكار وتغذي البحث التطبيقي المحض.
وثمة اتفاق واسع بين المفكرين والباحثين العرب على ضرورة النهوض بالبحث العلمي في الجامعات العربية وضرورة إدماج نتائج هذا البحث في الخطط التنموية العربية. وعلى الرغم من أن مختبرات الجامعات العربية تنتج اليوم 80 في المئة من البحوث العلمية العربية، ما يجعلها عنصراً أساسياً في أي سياسة تنموية أو إنتاجية، إلا أنها لا تزال تفتقر إلى الدعم الحكومي المناسب. فإذا قارنا نسب الإنتاج القومي الخام المخصصة للبحث العلمي في عام 2007 في الغرب (1.7% في بريطانيا، و1.9% في الاتحاد الأوروبي)، تبقى النسب العربية متواضعة. ونجد في رأس القائمة العربية 1.02% في تونس، ثم 0.64% في المغرب، و0.34% في الأردن، وفي نهاية القائمة الكويت (0.09%)، السعودية (0.05%)، والبحرين (0.04%)، بحسب تقرير لليونسكو لعام 2010. وقد خلص التقرير إلى ضرورة العمل على تنسيق الجهد بغية ضمان توازن بين البحث العلمي الأساسي الموجه لاستغلال العلم والتقانة من جهة، والبحث العلمي الموجه صوب مشكلات التنمية من جهة أخرى، وذلك نظراً إلى ضآلة نسب الإمكانات المادية المتاحة.
ومن نافل القول بشأن ضرورة النهوض بالبحث العلمي في الجامعات العربية وإدماج نتائج هذا البحث في الخطط التنموية العربية. ولعل أحد أهم عوامل تطوير البحث العلمي الجامعي يكون في ضمان الدولة برامج تمويل لسنوات عديدة.
يفيد تقرير العلوم لليونسكو في نسخته الأخيرة في تشرين الثاني 2015، أن نسبة الإنفاق المحلي الإجمالي للدول العربية كلها على البحث والتطوير بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي لا تزال واهية جداً. فعام 2013 لم تبلغ هذه النسبة واحداً في المئة من الإنفاق المحلي الإجمالي العالمي إلا بعد جهد بالغ. أي ما مجموعه 15 مليار دولار من أصل إنفاق عالمي بلغ 1477 مليار دولار.
ورغم أن عدد الباحثين في البلدان العربية كلها قد شهد ارتفاعاً من 122900 باحث عام 2007 إلى 149500 باحث عام 2013، لكن نسبتهم من عدد الباحثين في العالم بقيت نفسها أي 1.9%. بينما بلغ عدد السكان العرب 358 مليون نسمة في السنة نفسها، أي نحو خمسة بالمئة من سكان العالم.
أما نصيب العالم العربي من المنشورات العلمية فقد بلغ 29944 بحثاً منشوراً في عام 2014، لكن هذه النسبة لم تتجاوز 2.45% عالمياً. كما بلغ عدد المنشورات العلمية نسبة إلى كل مليون نسمة 82 بحثاً عام 2013، لكنه بقي أقل من نصف المعدل العالمي البالغ 176 بحثاً منشوراً لكل مليون نسمة.
ورغم أن عدد براءات الاختراع العربية المسجلة قد شهدت قفزة مهمة بين عامي 2008 و2013 من 99 إلى 492 براة اختراع، لكن ذلك لا يشكل سوى 0.2% على المستوى العالمي. فماليزيا وحدها سجّلت 566 براءة اختراع. وحيث أن عدد سكان العالم العربي يبلغ نحو 330 مليون نسمة وعدد سكان ماليزيا نحو 26 مليون نسمة، فذلك يعني أن معدل الإبداع في ماليزيا يزيد 15 ضعفاً على معدل الإبداع في الدول العربية مجتمعة.
وقد شهد الإنتاج العلمي العربي تحسناً نسبياً فهو يبلغ حالياً نحو 72% من مثيله في إسرائيل، بينما كان يبلغ 40% في عام 1967. وهو ما يدل على تحسن نسبي لكنه بطيء نتيجة التعثر في مسارات البحث والنشر. ولعل أبرز هذه الأسباب الافتقار إلى التقاليد الراسخة في البحث العلمي، وغياب الخطط البحثية، وشح التمويل، وتراجع أعداد الباحثين العرب مقارنة بالدول المتقدمة وبعض النامية. ففي مصر مثلاً، يوجود 650 باحثاً لكل مليون نسمة، وهو أعلى المعدلات العربية، في حين يوجد في كوريا الجنوبية نحو 4600 باحث لكل مليون نسمة، أي أكثر بثمانية أضعاف.
ولا تزال حركة البحث والنشر العلمي ضعيفة على المستوى العربي مقارنة بالدول المتقدمة وبعض الدول النامية. فمعدل المنشورات العلمية لكل مليون ساكن في العالم العربي بلغ 33.2 في عام 2003، وهو أدنى من معدل كوريا الجنوبية بأكثر من عشرة أضعاف. وقد ارتفع هذا المعدل في العالم العربي منذ عام 1981 ثلاث مرات فقط، في حين زاد في الصين 36 مرة.
مع ذلك، يلاحظ بعض الباحثين وجود بعض المؤشرات الإيجابية في بعض المجالات في السنوات الأخيرة، فقد جاءت كل من تونس وعُمان وقطر والكويت والسعودية في مراتب متقدمة في مؤشر التميز والكفاءة لمراكز البحوث والتطوير العربية، وذلك على التتالي: 36، 38، 45، 46، 52، من بين 127 دولة في العالم بحسب تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي (2007-2008).
ومن المؤشرات الأخرى الدالة على الوضع المعرفي والعلمي العربي هو مؤشر الترتيب الأكاديمي للجامعات العالمية، الذي يصدر عن مركز بحث الجامعات العالمية التابع لجامعة جياو تونغ في شنغهاي، وهو أجود تصنيف عالمي للجامعات وأكثرها دقة. إذ لا نجد تصنيف عام 2015 لأحسن 500 جامعة عالمية سوى خمس جامعات عربية، أربع منها سعودية وخامسة مصرية.
كما حقق التعليم العالي في العالم العربي نمواً كبيراً في الأعوام العشرين الأخيرة، إذ بلغ عدد الجامعات 395 جامعة في عام 2008، في حين كان عددها قبل أربعين عاماً لا يتعدى 30 جامعة. وبلغ عدد الملتحقين بالتعليم العالي في عام 2006 أكثر من سبعة ملايين طالب عربي أي بزيادة أكثر من 36 في المئة على عدد الملتحقين في عام 1999.
كل هذه المؤشرات تدل على استمرار ضعف منظومة الجامعات والبحث العلمي في العالم العربي ووجود مشكلات حقيقية تعيق تطورها وإنتاجها المعرفي ومساهمتها الضرورية في التنمية والإبداع. فالجامعات ومؤسسات البحث العلمي تكتسب أهمية قصوى في تنمية الاقتصادات الوطنية وتطوير الصناعات وابتكار التقنيات والاختراعات.
في الخلاصة نرى ضرورة النهوض بالبحث العلمي في الجامعات العربية وإدماج نتائج هذا البحث في الخطط التنموية العربية، من خلال دعم وتعزيز الجامعات ومراكز البحث العربية على مستويات التمويل والتدريب والكفاءات والحاجات اللوجستية، بوصفها محركاً رئيساً للاقتصاد وعموداً أساسياً لتوليد المعرفة في خدمة الأهداف الحضارية والتنموية.
ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]