ليبيا تنزف دماء من أجل أن ينعم العالم الظالم بنفطها وغازها

كان واضحاً منذ أن شنّ حلف شمال الاطلسي "الناتو" عدوانه البربري الإجرامي الهمجي على ليبيا بقيادة فرنسا -ساركوزي- وبمشاركة من قطر والسعودية والإمارات العربية المتحدة وبغطاء من جامعة الدول العربية التي قبض أمينها العام آنذاك عمرو موسى ملايين الدولارات مقابل تمريره لقرار يبارك العدوان ويشرعنه، تحت عنوان مُضلّل هو مساعدة الشعب الليبي في إسقاط نظام الرئيس الراحل معمّر القذافي وإعادة الديمقراطية إلى ربوعها لأن الأمن والاستقرار والخير والوحدة الجيو-سياسية سوف تغيب عن ربوع ذلك البلد لسنوات وربما لعقود طويلة.

المواجهات في ليبيا

فما جرى قي ليبيا كان من ألفه إلى يائه حرباً من أجل سرقة ونهب ثروات ليبيا النفطية والغازية والاستيلاء على أموال صندوق ليبيا السيادي من العملات الصعبة التي كانت قيمتها تزيد عن 670 مليار دولار أميركي وعلى احتياطها الكبير من الذهب (143طناً) ومن الفضة (150طناً) وبهدف إسقاط نظام القذافي الذي تجرأ ذات يوم وأجلى القواعد العسكرية الجوية الأميركية عن ليبيا وأمّم شركات البترول الأجنبية التي كانت تسيطر على النفط الليبي إنتاجاً وتسويقاً وتوزيعاً وتحرم الشعب الليبي من التمتّع بعائداته وجعله عبرة لمَن اعتبر، وهذا ماكان من خلال طريقة قتله البشعة التي كان من ضمن أهدافها منعه من البوح بسر الرشا المالية التي تلقاها منه ساركوزي لتمويل حملته الانتخابية وزيادة ثروته الشخصية.

وكما كان متوقّعا فإن الأمر لم يتوقف على تقسيم ليبيا إلى دويلات يحكمها أمراء حرب وزعماء قبائل لينتهي الأمر عند هذا الحد بقدر ما دخلت في أتون حروب بالوكالة تشنّها قوى دولية واقليمية على الشعب الليبي بأدوات محلية وكنوع من لعبة مصالح وتسوية حسابات مستمرة منذ أكثر من ثماني سنوات، وكان آخر مشاهدها الدامية الهجوم الذي شنّته قوات اللواء خليفة حفتر المدعوم من قِبَل فرنسا وروسيا وأميركا ومصر والسعودية والإمارات ودول عديدة أخرى على مدينة طرابلس الغرب التي تسيطر عليها حكومة السراج وتدعمها قطر وتركيا وتعترف بها الأمم المتحدة.

وغني عن القول بأن كل القوى الأساسية التي تتصارع اليوم على السلطة والنفوذ في ليبيا تخوض حرباً بالوكالة خدمة لأجندات قوى دولية واقليمية طامعة بالسيطرة إما على ثروات ليبيا الهائلة أو على موانئها الواقعة على المتوسّط ولذلك فهي تعمل ضد المصالح العليا لجماهير الشعب الليبي وأمنه واستقراره ووحدة ترابه الوطني وربما أغرب ما في الأمر وربما استعصاء على التحليل المنطقي هو سرّ ذلك التناغم بين الموقفين الأميركي والروسي حول دعم حفتر في ليبيا، رغم أنهما يختلفان على سبيل المثال لا الحصر في سوريا وفنزويلا ويتصارعان على المستوى الكوني على شكل الصيغة التي يجب أن تحكم العالم، قطب أميركي واحد أو متعدّد أقطاب كما تريد روسيا والصين.

وإذا كان التغيّر في الموقف الأميركي الذي عبّر عنه بالمكالمة الهاتفية الأخيرة التي أجراها الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع خليفة حفتر يمكن استيعابه في إطار وعود قدّمها حفتر لترامب بالحصول على جزء من نفط وغاز ليبيا بعد حسم المعارك في طرابلس وبقية أنحاء ليبيا، فإن الطامة الكبرى أن يكون الروس قد حصلوا على وعد مُشابه وللشركات الروسية بالتنقيب عن آبار نفط وغاز جديدة في الصحراء والمياه الليبية.

إنني أدرك بأن روسيا ليست الاتحاد السوفياتي السابق وبأن ما يحكم السياسة الروسية إزاء مختلف القضايا والنزاعات الدولية والاقليمية المصالح وليس المبادئ، ولكنني لا أستطيع أن أستوعب على الإطلاق بأن تصل السياسة الروسية في البحث عن المصالح المالية والاقتصادية إلى حد الاستعداد لتزويد السعودية بالسلاح بما فيها منظومات الدفاع الجوي المتطوّرة من طراز أس-400 والصمت عن الحرب الظالمة التي تشنها على اليمن من أجل المال، فهذا موقف لا أخلاقي إن لم يتم التراجع عنه يهدّد مصداقية روسيا لدى الجمهور العربي وليكن مفهوماً هنا أن انتقاد بعض جوانب السياسة الروسية إزاء ليبيا كما إزاء الوضع في سوريا لا يعني إنني أدعو إلى اعتبار روسيا كعدو مثل الولايات المتحدة وإنما إلى إفهام روسيا عبر الحوار أن ضمان مصالحها في المنطقة يتطلّب منها مراعاة المصالح العربية وأخذها بعين الاعتبار فالغرب بالتعاون مع الأنظمة العربية العميلة له وعبر أدواته في ليبيا قتل وجرح مئات آلاف الليبيين وهجّر أكثر من 3 ملايين ليبي إلى الخارج وحوّل ليبيا من دولة مزدهرة إلى دولة فاشلة وكل مَن يتواطأ معه هو عدو للعرب.