سوريا وإيران.. شراكة في مواجهة الحرب الاقتصادية
تسجّل الحكومة السورية لإيران دوراً كبيراً في دعمها اقتصادياً خلال سنوات الحرب المدمرة للاقتصاد الوطني.
يكاد لا يمر لقاء سوري ايراني، إلا ويعبر مسؤولو البلدين عن تمنياتهم بالارتقاء بالتعاون الاقتصادي. يؤكدون دوماً على ضرورة تطوير العلاقات الاقتصادية الى مستوى علاقاتهما السياسية التي حفرت عميقا منذ انطلاق الثورة الاسلامية الايرانية عام 1979.
تعكس الجملة ضعفاً عميقاً في التبادل التجاري لم يتجاوز، بالرغم من تحالفهما العميق ،أكثر من 120 مليون دولار أو ما يصل الى 61 مليار ليرة عام 2017 بحسب تقديرات رسمية سورية، فيما تتحدث مصادر ايرانية عن تبادل تجاوز 553 مليون دولار عام 2010 - 2011 يميل بشدة نحو ايران بمعدل صادرات يصل الى 524.4 مليون دولار.
أرقام متواضعة مقارنة بحجم التبادلات التجارية لايران مع العراق التي بلغت نحو 12 مليار دولار سنوياً مع خطط لزيادتها الى 20 ملياراً، ومع تركيا التي بلغت خلال أول تسعة أشهر من عام 2017 نحو 8 مليارات دولار مع خطط لايصالها الى 30 ملياراً، ومع الامارات التي بلغت 11 مليار دولار سنوياً.
في اجتماعات اللجنة العليا المشتركة في دورتها الـ 14 نهاية كانون الثاني / يناير الماضي ثمة معطيات تدعو للتفاؤل بمضاعفة ارقام التبادل التجاري كمرحلة اولى. اتفقت الحكومتان على 11 مذكرة تفاهم وبروتوكول تعاون في مجالات الاستثمار والسكك الحديدية والكهرباء والمرافئ والتعليم قبل الجامعي، والأهم في المجال المصرفي.
الاتفاق المصرفي تضمن إنشاء مصرف مشترك مقره دمشق، بمساهمة من المصرفين المركزيين وبالعملتين الوطنيتين ،هدف تأخر كثيرا لكنه أنجز أخيراً ما يدفع باتجاه تعزيز نقل الحوالات المالية بعيدا عن الحظر والعقوبات والتدخلات الغربية، وتأكيداً على مقولة ان التعاون المصرفي يشكل القاعدة الأساسية لأيّ تعاون اقتصادي.
واقعياً يمهد المصرف الطريق أمام تسهيل الدفع مقابل ابرام الصفقات. عقبة كبيرة امام نقل السلع والبضائع تزال ما يشجع إطلاق عملية تبادل واسعة بين القطاعات الاقتصادية في الدولتين اللتين تجمعها اليوم عقوبات أحادية الجانب باتت تضغط بتزايد على اقتصاديهما. وبات الحديث الاهم في العاصمتين حول الحد من تأثيراتها والحفاظ على تأمين المتطلبات المعيشية الاساسية والبناء على ما يمتلكه الاقتصادان دعما لعملية الاعمار في سورية خصوصا بتطلعات واقعية كان أكدها رئيس الحكومة عماد خميس خلال التوقيع على جملة الاتفاقيات. مؤكداً أن" الرؤية السورية تنطلق من تقديم التسهيلات الكبيرة جدا للاشقاء الايرانيين في القطاع العام والخاص للمشاركة بإعادة الاعمار.
كما أن الظروف التي يعيشها البلدان تحتم عليهما العمل لتكثيف التواصل من اجل التعاون أكثر فأكثر".. فيما كشف النائب الأول للرئيس الايراني اسحق جهانغيري عن تشكيل فرق عمل متخصصة مهمتها متابعة تنفيذ الوثائق التي تم التوقيع عليها، في إشارة الى قرار مشترك عال المستوى، بتطبيق ما اتفق عليه في توقيت يفرض على البلدين توسيع التعاون الى مستوى شراكة اقتصادية فعلية.
تسجل الحكومة السورية لإيران دوراً كبيراً في دعمها اقتصادياً خلال سنوات الحرب المدمرة للاقتصاد الوطني. قدمت طهران عام 2013 قرضها الأول بمقدار مليار دولار لسد العجز المالي الناتج عن هبوط الايرادات السورية بحدة جراء العقوبات الغربية وبعض العربية. وفعّلت طهران ودمشق القرض الائتماني الثاني بمقدار 3.6 مليار دولار في العام ذاته، وكان مخصصاً أساساً لتأمين استيراد المشتقات النفطية من إيران وبمعدل ناقلتي نفط شهرياً، وقد أسهمت تلك المشتقات بتلبية حاجة السوق السورية في ظل سيطرة المسلحين بمختلف تسمياتهم على المصادر النفطية السورية شمال شرق البلاد. ووقعت دمشق وطهران عام 2015 القرض الثالث بمقدار مليار دولاربهدف تمويل الصادرات.
شكلّت تلك الاتفاقيات حجر الزاوية في علاقات البلدين الاقتصادية، وربما تجاوزت معضلة ضعف التبادل التجاري. لكن نجاح الدولة السورية بتأمين المساحات الأوسع بما فيها مراكز المدن والبلدات الأكثر كثافة سكانية في ريف دمشق ودرعا وأحياء حلب الشرقية واستعادة مصادر ثروات مهمة كالغازوالفوسفات في المنطقة الوسطى. ذلك النجاح فتح الباب أمام البدء بمشاريع إعادة الاعمار، ولو بشكل بطيء، في ظلّ الضغوط الامريكية والغربية على الدول القادرة على التمويل والراغبة بالتوجه الى سورية.
ثمة قائمة كبيرة من المجالات الممكن العمل فيها، كما تظهر الاتفاقات الموقعة، بدءاً بمحطات إنتاج الكهرباء التي تعد إيران من أهم دول العالم في تصنيعها وإقامتها وقد جرى وضع حجر الاساس فعليا خلال إجتماعات اللجنة العليا المشتركة لإقامة محطة في اللاذقية باستطاعة 540 ميغاوات فيما كشف خميس عن خطط لتطوير المرافئ البحرية والاستثمار الزراعي وبناء المستودعات النفطية والاسكان..
في الجولة الرابعة عشرة، ثمة جديد في آلية التعاطي يزداد وضوحا باتجاه الانتقال الى تنفيذ الاتفاقات المبرمة. العقوبات أحادية الجانب الضاغطة على طهران كما دمشق ووصولها الى التاثير على التفاصيل المعيشية لشعبي البلدين تشكل دافعاً مهماً للانتقال الى معالجة عقبات موضوعية أبرزها تشابه منتجات البلدين والحمائية على بعض المنتجات وصعوبة نقل الحوالات المالية.. لم يعد الأمر إختياريابقدر ما هو ممر إجباري للحّد من تأثيرات الحرب الاقتصادية.