التانغو الأميركي التركي في الشمال السوري
التوتر المزعوم بين تركيا وأميركا يذكّرني بالحال التي حصلت بعد انسحاب الرئيس التركي أردوغان من مؤتمر دافوس 2009 إثر مشادّة كلامية مع الرئيس (الإسرائيلي) شيمون بيريز، حيث استقبل أردوغان الأبطال إثر عودته إلى تركيا، وبينما كانت الجماهير التركية تهتف بحياة أردوغان قاهِر"الإسرائيليين"، كانت الطائرات "الإسرائيلية" تشارك الطائرات التركية في قصف مواقع حزب العمال الكردستاني في منطقة (جمجو) على الحدود العراقية التركية داخل الأراضي العراقية، باختصار تركيا دولة وظيفية لدى حلف الناتو.
نقطة مهمة تسترعي الانتباه والتوقّف عندها، كلما كثرت الضغوط الداخلية على الرئيس التركي يظهر تصريح إسرائيلي أو أميركي فيه تصعيد يخدم أردوغان.
من خلال استغلال تلك التصريحات في محاولة تصدير أزمته الداخلية إلى الخارج، حيث تعاني تركيا حالياً وضعاً إقتصادياً حرجاً، بالإضافة إلى تزايد التقارير الغربية عن إنتهاكات لحقوق الإنسان وقمع للحريات في البلاد، وعن التعذيب في السجون.
كما يريد أردوغان مُداعبة مشاعر القوميين الأتراك في محاولة لكسب تأييدهم في الاستحقاقات الانتخابية القادمة،
وأيضاً مُداعبة مشاعر الإسلاميين على الظهور بمظهر سلطان المسلمين الذي يتحدّى الأميركان والإسرائيليين.
هذا من حيث الشكل، أما من حيث المضمون فكلام ترامب الأخير والذي قد يبدو للوهلة الأولى أنه تهديد وتصعيد ضد تركيا ، ولكن حقيقة الموضوع أنه يحمل لتركيا أملاً بتحقيق ما عجزت عن تحقيقه طيلة سنوات الأزمة السورية ألا وهو إقامة منطقة آمنة على الأراضي السورية.
فحلفاء تركيا من الجماعات المسلحة (لواء التوحيد - النصرة - أحرار الشام - فيلق الشام - السلطان مراد - ....) والواجهة السياسية لهم تنظيم الإخوان المسلمين طالبوا امتثالاً لأوامر تركيا بإنشاء منطقة آمنة، وهو ما بدا جلياً من خلال النظاهرات التي حملت إسم جمعة الحظر الجوي مطلبنا في نوفمبر تشرين الثاني 2011، ثم في يناير/كانون الثاني 2012 جمعة المنطقة العازلة.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2014، وبعد أن فشل الوكيل (حلفاء تركيا) من تحقيق الهدف التركي، استلم زمام المبادرة الأصيل حيث اشترطت تركيا للمشاركة في الحرب على داعش إعلان منطقة حظر جوي، وإقامة منطقة آمنة، على الأراضي السورية، ووقتها قوبِلت شروطها بالرفض.
اليوم بعد أن قال الرئيس الأميركي ترامب لنظيره التركي أردوغان ( سوريا لك )، غداة الإعلان عن سحب القوات الأميركية من سوريا، يسعى ترامب إلى تنفيذ وعده ، بسوريا التي تهمّ أردوغان حالياً هي المناطق التي يقطنها الكرد السوريون .
ولكن هل فكرة إنشاء منطقة آمنة على الأراضي السورية قابلة للتحقيق؟
قناعتي هي فكرة مستحيلة التطبيق، بل وأكثر من ذلك لا أرى أن واشنطن جادة في تنفيذ هكذا مشروع لعدّة أسباب :
أولاً أن ما رفض بدءاً من عام 2011 مروراً بعام 2014 يستحيل الموافقة عليه 2019.
ثانياً من سيشرف على المنطقة الآمنة، إن كانت واشنطن طرحت فكرة في محاولة لمعالجة تداعيات قرار سحبها للقوات الأميركية من الأراضي السورية.
باختصار كل ما يجري حالياً من تصعيد بين واشنطن وأنقرة لا يخرج عن إطار التناغم والتنسيق الأميركي التركي في محاولة لعرقلة انتشار الجيش السوري على الشريط الحدودي في شرق الفرات، كخطوة أولى ليتبعها انتشاره في غرب الفرات ( جرابلس - الباب - مارع - أعزاز - عفرين - ريف حلب الغربي - إدلب ) كخطوة ثانية...
وأكثر ما يخطر على بالي عند سماع التصريحات والتصريحات المضادة بين الأميركي والتركي، هو رقصة التانغو،
حيث يقوم كل راقص بحركة يقابله الراقص الآخر بحركة مقابلة لها ومعاكسة بالاتجاه، ما يؤدّي إلى إنشاء لوحة راقصة متكاملة ، وهي هدف الراقصين معاً.