القدس وقدسيّة المسجد الأقصى

علينا أن نتذكّر أن مدينة القدس ومقدّساتها هي أكثر مدينة في العصر الحديث تحظى بحماية وضمانات دولية تم اختراقها، من خلال الاعتداءات المُتكرّرة والإجراءات التعسّفية لسلطات الاحتلال الإسرائيلي وجماعات اليهود المُتطرّفة، وذلك في سلسلة العنف المستمرة منذ الاحتلال عام 1967م، حتى أنه لا يزال المجتمع الدولي في مواقفه وقراراته يعتبر القدس الشرقية جزءاً لا يتجزّأ من الأراضي الفلسطينية المُحتلة عام 1967م، ما يعني ضرورة تأمين الحماية للأماكن المقدّسة واحترام حرية العبادة وحق المسلمين في الوصول إلى أماكن العبادة

علينا أن نتذكّر أن مدينة القدس ومقدّساتها هي أكثر مدينة في العصر الحديث تحظى بحماية وضمانات دولية تم اختراقها

عندما نتحدّث عن المسجدِ الأقصى المُبارَك الحرم القدسي الشريف، فإننا نقصد ونعني كامل المساحة البالغة 144 ألف متر مربع، المُشتملة على المسجد الأقصى المسقوف، وقبّة الصخرة المشرفة، والمُصلّى المرواني، وكل الساحات والمُنشآت الأثرية الدينية والتاريخية داخل هذه المساحة.

فالمسجد الأقصى المُبارك يقع في مدينة القدس حصراً، وليس كما تحاول بعض الروايات اليهودية الصهيونية أن تروِّج بأن هذا الموقع ليس الموقع الصحيح وأنه موقع هيكلهم المزعوم، والذي بنى المسجد الأقصى هو سيّدنا يعقوب عليه السلام، وهو حفيد سيّدنا إبراهيم ووالد سيّدنا يوسف عليهم السلام، فقد ورد عن الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم حين سُئل عن الفترة الزمنية التي تفصل بين الكعبة الشريفة التي بناها سيّدنا إبراهيم وبين بناء المسجد الأقصى فقال: بينهما 80 عاماً، فالمسجد الأقصى هو المسجد الذي في القدس في فلسطين، لأن الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم كان توجّه إلى الشمال أي إلى فلسطين عندما أمره الله تعالى أن يتوجّه في صلاته إلى المسجد الأقصى لمدة سنة وأربعة أشهر، حيث جعل الله المسجد الأقصى أُولى القبلتين من أجل قضية هامة جداً وهي أن تبقى أعين المسلمين المؤمنين دائماً وأبداً على القدس والمسجد الأقصى.

كما أن المسجد الأقصى كان مبنياً ليلة الإسراء والمِعراج، وأن الإسراء برسولنا الكريم قد تم إلى مدينة القدس الشريفة وإلى المسجد الأقصى فيها حصراً، ولمن يدّعى أن الإسراء قد حدث مع النبي موسى وليس الرسول محمّد، فنقول إن سيّدنا موسى لم يصل إلى مكّة أبداً، وأن الإسراء قد بدأ من مكّة حصراً، حيث يقول الله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الإسراء 1)، والإسراء هنا كان بشخصٍ واحدٍ فقط وهو رسول الله محمّد صلّى الله عليه وسلّم، بينما سيّدنا موسى عليه السلام سار ليلاً "أسرى" مع قومه من مصر وتبعهم فرعون، حيث يقول الله تعالى: (َأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ) (الشعراء 52).

والمسجد لا يُعطى صفة الأقصى إلا إذا كان بينه وبين المسجد الحرام يوجد مسجد "كبير الأهمية الدينية" وهو المسجد النبوي، والمساجد الثلاثة تقع على امتدادٍ جغرافي واحد، ومن الإعجاز القرآني المُذهِل في هذا الأمر أن سورة الإسراء هي سورة مكيّة ونزلت قبل الهجرة إلى المدينة المنوّرة بأكثر من عشر سنوات، حيث يقول الله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلا ًمِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الإسراء 1)، وفعلاً وبعد أكثر من 10 سنوات على نزول هذه الآية الكريمة، تمّت هجرة الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة المنوّرة، حيث تم بناء المسجد النبوي الشريف بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، والمساجد الثلاثة تقع على امتدادٍ جغرافي واحد وبجهةٍ واحدة، لذلك فإن المسجد الأقصى هو فقط الذي يوجد في مدينة القدس الشريف في فلسطين، أما توسعة المسجد الأقصى فقد تمت على زمن الخليفة الأموي مروان بن الحكَم لهذا يُسمّى بالمُصلّى المرواني، كما ستبقى القدس المدينة التي لا تموت وتعطي البركة والحياة لغيرها وستبقى عاصمة فلسطين الأبدية.

فما آلت إليه الأوضاع في مدينة القدس يدفعنا إلى تأكيد ضرورة تفعيل العمل العربي والإسلامي المشترك في هذا المجال، بما يُسهِم في تحويل الفكر إلى ممارسات والأماني إلى واقع، ويكون ذلك من خلال تفعيل المسيرة الخيّرة للوقف الإسلامي بما يرسِّخ العمل المؤسسي المُتكامِل الذي يحقّق الاستثمار الأمثل لمُقدّرات الأمّة وثرواتها ويبعث الأمل والإلهام في نفوس شبابها، ويُسهم بفاعلية في دعم القدس وأهلها على الصمود، ونعني بذلك الوقف الإنمائي الذي يأخذ صورة مشروعات حيوية تُسهم في الجهود التنموية على أكثر من صعيد بما يحقّق الصالح العام وينسجم مع مبادئ الحاكمية الرشيدة، وذلك لتجسيد المعاني التي تخدم قضية القدس الشريف وتبقيها حيّة في ضمير الأجيال والمجتمع الإنساني.

الممارسات الإسرائيلية في القدس ومَنْع المسلمين من إقامة الصلوات في المسجد الأقصى وإغلاقه، والقيام باعتقالات للمصلّين والمُرابطين ولشخصيات دينية إسلامية وبعض مسؤولي الأوقاف الإسلامية، هواإستهانة صارِخة بمشاعر المؤمنين المسلمين وحقوقهم في ممارسة شعائرهم الدينية، لهذا يجب على أنصار الحرية ودُعاة حقوق الإنسان وأتباع جميع الديانات والمجتمع الإنساني في العالم رفع الصوت عالياً ضد هذه الإجراءات التعسّفية واحترام المقدّسات والرموز الدينية.

لأن تدعيات ذلك ستكون وخيمة العواقب ويترتّب عليها تأجيج التطرّف في مدينةٍ ينبغي أن يتّسع الفضاء الديني فيها لكل المؤمنين من كافة الأديان، لا أن تتحوّل إلى ساحةِ قتالٍ مُستعر يُلغي العقلانية والتسامُح ويُعمِّق مأساة المنطقة ويستقطب الكراهية بين جميع الأطراف المُتنازِعة، كما ستكون سبباً إضافياً لاندلاعِ موجةٍ جديدةٍ من عُنفٍ وإرهابٍ لا تُحمَد عُقباها.

علينا أن نتذكّر أن مدينة القدس ومقدّساتها هي أكثر مدينة في العصر الحديث تحظى بحماية وضمانات دولية تم اختراقها، من خلال الاعتداءات المُتكرّرة والإجراءات التعسّفية لسلطات الاحتلال الإسرائيلي وجماعات اليهود المُتطرّفة، وذلك في سلسلة العنف المستمرة منذ الاحتلال عام 1967م، حتى أنه لا يزال المجتمع الدولي في مواقفه وقراراته يعتبر القدس الشرقية جزءاً لا يتجزّأ من الأراضي الفلسطينية المُحتلة عام 1967م، ما يعني ضرورة تأمين الحماية للأماكن المقدّسة واحترام حرية العبادة وحق المسلمين في الوصول إلى أماكن العبادة.

لهذا يجب تأكيد وتفعيل الدور المحوري للدول الأعضاء في جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ، وكذلك المنظمات الدولية والاقليمية القيام بما تُمليه عليهم مسؤوليتهم القانونية والإنسانية والأخلاقية في الحرص على ترسيخ الاحترام المُتبادَل لحقوق الإنسان، والتدخّل فوراً لوقف ما يتعرّض له المسجد الأقصى المُبارك والأماكن المقدّسة من اعتداءات وانتهاكات مستمرة، واتّخاذ كافة التدابير اللازِمة لتوفير الحماية للمقدسيين في صلواتهم، والحفاظ على حُرمة المسجد الأقصى المبارك "الحرم القدسي" الشريف ومكانته، إضافة إلى ضرورة وقوف كل الدول الأعضاء بحزمٍ وشدةٍ للدفاعِ عن حرم الأقصى المُبارك ضد أية إجراءات من شأنها المسّ بقدسيّته لأن الدين يسمو فوق السياسة.