موجة الاحتفاء بتظاهرات إيران .. سحابة صيف؟

يبدو أن ما يهم المواطن الإيراني اليوم هو اقتصاده بالدرجة الأولى وظروفه المعيشية، أما بعض الشعارات التي تتعلّق بدور إيران الاقليمي، فقد خرجت بالفعل على لسان بعض المُحتّجين من باب ضرورة التركيز على مطالبهم أولاً، وقد لا تكون الطموحات الوطنية في مواجهة أميركا واسرائيل بين الأولويات المتعددة.

الكيانات المُعارِضة لإيران هي الأخرى وجدت في هذه التظاهرات فرصةً للحضور إعلامياً

التظاهرات والاحتجاجات في إيران احتفت بها السعودية والإمارات بشكل استثنائي من الفرح، وتصويرها من خلال تغريدات على موقع تويتر بأنها انتصار للسعودية وتطبيق واقعي وعملي للتصريح الذي نطق به وليّ العهد السعودي محمّد بن سلمان منذ شهور عن نقل الحرب إلى داخل إيران، كما وارتفعت الآمال بإسقاط نظام الملالي على حد وصفهم.

هذا الاحتفاء امتد أيضاً إلى عدد من وسائل الإعلام المملوكة للسلطات التي تتبع الدولتين والشاشات المموّلة منها، والتي لم تخفِ فرحتها وأمانيها في تغطياتها وتحليلاتها للتظاهرات في إيران، بحيث رسمت صورة شاملة لها وكأنها نعمة ربّانية أنزلها الله تعالى بالقَوم الكافرين على حد تعبيرهم، وثورة على نظام المُرشد وسياساته العدائية تجاه دول الخليج، وصولاً إلى إعلان نهاية نظام الملالي وحتميّة انتصار المذهب السنّي بقيادة محمّد بن سلمان على مذهب الشيعة بقيادة الخامنئي، وذلك من خلال تحليلات الخبراء السياسيين في السعودية والخليج، وهو ما شكّل إحدى مضحكات هذا الزمن السياسي المُتأخّر.

الكيانات المُعارِضة لإيران هي الأخرى وجدت في هذه التظاهرات فرصةً للحضور إعلامياً عبر وسائل الإعلام الخليجية التي احتفت بتصريحات أعضائها، والتي ركّزت في أغلبها على ضرورة التواصُل مع البيت الأبيض والحكومات الأوروبية، لوضعهم أمام التزاماتهم الأخلاقية بدعم الشعب الإيراني الثائر الكادح ضد قمع النظام والعمل على إسقاطه.

الولايات المتحدة الأميركية والتي لديها تاريخ حافل من التدخّل في الشؤون الإيرانية الداخلية، أبدى رئيسها ترامب ونواب من الحزب الجمهوري دعمهم الصريح لهذه الاحتجاجات والتظاهرات، وذلك بأكثر من تغريدة أطلقها ترامب على موقع تويتر، أكّد فيها دعمه للمُحّتجين وأن الولايات المتحدة ستقدّم لهم الدعم في الوقت المناسب، الأمر الذي دفع الرئيس روحاني للرّد عليه قائلاً: (إن هذا الرجل يتعاطف اليوم مع شعبنا، ونسيَ أنه قبل بضعة أشهر كان يصف إيران بالإرهابية)، كما وقالت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي: (إن الحكومة الإيرانية تتعرّض لاختبار من مواطنيها، وندعو الله أن تنتصر الحرية وحقوق الإنسان).

الرئيس الإيراني حسن روحاني من جهته وخلال لقائه رؤساء اللجان في البرلمان قال إن المنجزات الاقليمية لبلاده أغضبت العدو، وعوَّل على ملايين الإيرانيين الذين سينزلون إلى الشوارع ويحبطون ما تتعرّض له إيران من مؤامرة، كما وطالب الإيرانيين بعدم اللجوء إلى العنف، إلا أنه في الوقت ذاته أعرب عن تأييده لحق المتظاهرين في التعبير عن آرائهم، في حين رأى مرشد الثورة علي خامنئي أن العدو يتحيّن الفرصة لضرب إيران.

هذا وقد خرجت مسيرات حاشدة في أغلب المدن الإيرانية، دعماً للنظام وتنديداً بالاضطرابات، حيث ردّد المتظاهرون شعارات مُندّدة بالولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني، كما أكّدوا على اللحمة الوطنية والعهد على مبادئ الجمهورية الإسلامية وولاية الفقيه، وذلك في مواجهة التدخّل الأجنبي في شؤون البلاد.

الخطاب الإيراني الرسمي في شرح أبعاد المشروع المُخطّط له في استهداف إيران، والحديث عن مشبوهين ومأجورين يقتلون المتظاهرين وقوات الأمن، إضافة إلى اتّهام إيران أعداء خارجيين بالوقوف وراء هذه الاحتجاجات والتدخّل في شؤونها، لا يلغي أن هذه التظاهرات والاحتجاجات الإيرانية الأخيرة هي أكبر من أن تكون حركة لعملاء السعودية وأميركا، لهذا فهي كانت مليئة ببعض التناقضات والتعقيدات لأنها غير مُقدّسة أو مُنزّهة عن الأخطاء.

الاحتجاجات في إيران هي في الأساس اقتصادية وليست سياسية، وتتعلّق بأمراض مُزمِنة وأصيلة مثل البطالة التي لا تقل عن 12% وارتفاع الأسعار وتقليص الدعم ورفع الضرائب والفساد الكبير ، وغياب أفق اقتصادي رغم رفع العقوبات عن الدولة كجزء من الاتفاق النووي، إضافة إلى تدخّل ايران في عديد الدول أبرزها سوريا والعراق واليمن.

يبدو أن ما يهم المواطن الإيراني اليوم هو اقتصاده بالدرجة الأولى وظروفه المعيشية، أما بعض الشعارات التي تتعلّق بدور إيران الاقليمي، فقد خرجت بالفعل على لسان بعض المُحتّجين من باب ضرورة التركيز على مطالبهم أولاً، وقد لا تكون الطموحات الوطنية في مواجهة أميركا واسرائيل بين الأولويات المتعددة.