البوكمال... إعادة رسم الحدود
على مسافة تجاوز طولها 158 كم، إلتقى الجيش السوري وحلفاؤه من فصائل محور المقاومة، مع الحشد الشعبي و الجيش العراقي على الحدود السورية العراقية. لقاء يحمل في ظاهره اعادة رسم حدود البلدين بعد أن اعلن داعش إلغاءها قبل اربع سنوات، وفي المضمون يعيد رسم خارطة تواصل محور المقاومة، ويؤسس لترابط إقتصادي عميق بين موسكو، طهران، بغداد و دمشق.
ميدانياً، أعلن الإعلام الحربي في غرفة عمليات حلفاء الجيش السوري تحرير كامل الحدود السورية العراقية، من شمالي معبر التنف وصولا إلى مشارف مدينة البوكمال. السيطرة على المنطقة تعني انحسار وجود مسلحي داعش في سوريا والعراق على مساحة أقل من 3% مما كان يسيطر عليه التنظيم سابقا.
ويتركز وجود مسلحي التنظيم على صحراء شمالي الأنبار في العراق، في حين باتت مدينة البوكمال تشكل معقل داعش الرئيسي في سوريا والعراق. الأنباء تؤكد تواجد أبو بكر البغدادي في المدينة بعد خسارته القائم. المناطق المتبقة لداعش تعني انتهاء أسطورة دولة خلافة البغدادي ومن بايعه. قرار تحرير البوكمال بات محسوماً في ظل سباق محموم من كافة القوى على الأرض للوصول إلى المدينة الحدودية.
قبل عشرة أيام أعلن صالح مسلم رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني السوري أن مسلحي قسد سيتجهون إلى البوكمال. إعلان الرجل جاء بعد أيام من سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على حقل العمر النفطي. لا ينفك هذا الإعلان عن الإرادة الأميريكية في السيطرة على كامل الحدود السورية العراقية، ومنع تلاقي الحشد الشعبي العراقي مع الجيش السوري وحلفائه من محور المقاومة، يؤكد هذا الأمر ما كان أعلنه جعفر الحسيني المتحدث باسم كتائب حزب الله العراق "بأن الإدارة الأميركية ترفض تقدم الحشد الشعبي العراقي باتجاه مدينة القائم على الحدود مع سوريا". إذاً القائم كانت خطاً أحمراً أميركياً، كسر من الجانب العراقي بتقدم الحشد الشعبي وتحريره للقائم.
مما لا شك فيه أن تجاوز الإرادة الأميركية في هذا الشأن لم يأتي بقرار فردي من الحشد الشعبي ومن خلفه إيران، بل تشاركت الإرادات من روسيا إلى طهران و بغداد، الأمر ينسحب على مدينة البوكمال السورية، تحرير المدينة أيضاً يتطلب توافقاً بين القوات المقاتلة على الأرض، لكسر الخط الأمر الأميركي الرافض لتلاقي الحشد الشعبي والجيش السوري.
سيطرة الجيش السوري على البوكمال، تعني أن أول معبر حدودي بين العراق وسوريا بات تحت سيطرة الدولة السورية، يضاف إليه: أن على الطرف المقابل من الحدود يتمركز الحشد الشعبي العراقي وهو أحد فصائل محور المقاومة.
باختصار يكون محور المقاومة قد أعاد رسم الحدود مجدداً وفي الوقت ذاته ترك التواصل مفتوحاً من طهران إلى بغداد وصولا إلى دمشق وبيروت ففلسطين المحتلة، بهذا يكون المحور قد أفشل تماماً المخطط الذي كان يهدف لتقطيع أوصاله.
أما إقتصادياً، يقول أحد المسؤولين العسكريين في معارك البادية "بعد تحرير المحطة الثانية، دخلنا إليها فكانت الأبنية شبه مدمرة من شراسة المعارك. لم يكن الأمر يعنينا كثيراً ولم نكن ندقق بحجم الدمار، إلى أن جاء فريق خبراء اقتصاديين مختصيين وأجرى فحوصات لا أعلم ما هي وقال لنا المحطة الثانية بخير وتحريرها يعتبر إنجاز هام".
لمن لا يعرف المحطة الثانية تعتبر نقطة هامة لنقل النفط والغاز السوري من آبار دير الزور باتجاه وسط سوريا والبحر. من كلام المسؤول الميداني يبدو واضحاً أن معركة الشرق لا تعني تحرير جغرافيا فقط، و إنما إلى جانبها معركة اقتصاد وخطوط نقل للغاز والنفط. وهذا لأمر تتقاطع حوله المصالح السورية والعراقية إضافة إلى مصالح كل من ايران وروسيا. فسوريا يمكن أن تؤمن معبراً لنقل الغاز والنفط من الدول الثلاث إلى أوروبا عبر البحر. وهذا ما سيتحقق بعد تحرير البوكمال واستكمال مشروع أنبوب الغاز الإيراني المتفق عليه بين حكومات كل من العراق وسوريا وإيران"الاتفاقية وقعت قبل خمس سنوات"، و تقتضي بربط الدول الثلاث بخط نقل للغاز الإيراني إلى سوريا عبر العراق، أنبوب النقل هذا من الممكن أن تضاف إليه موسكو أيضاً، ما يؤمن لها نقلاً للغاز عبر سوريا إلى أوروبا.