تونس: فرقة شيوخ "سلاطين الطرب" : القدود الحلبية تغازل جمهور القيروان

تعتني فرقة سلاطين شيوخ الطرب السورية كما تحدّث رئيسها السيّد بشير أحمد بيج، بالتراث العربي على وجه العموم والتراث السوري على وجه الخصوص، وقد تعاملت المجموعة خلال مسيرتها مع مطربين من تونس من حوالى 5 سنوات مثل نور الدين الباجي وياسين الدريدي ناهيك عن جولتها بعديد الدول الأوروبية والآسيوية والعربية.

من "عطر حلبٍ وريحها" غنّوا وكأنهم يتحدّون بتراثهم الفني كلّ حصار
بعد حوالى تسع سنوات آخر لقاء لها بجمهور القيروان سنة 2009 خلال تظاهرة القيروان عاصمة للثقافة الإسلامية ، عادت فرقة سلاطين شيوخ الطرب بسوريا لتعانق جمهور عاصمة الأغالبة في مهرجان ليالي الصيف الدولي في دورته   العاشرة.


و تقريباً يكاد يكون هذا العرض العربي الوحيد الذي يؤسّس دورة هذا العام  التي حاولت هيأتها رغم ضعف الدعم أن تلبي كل الاذواق مع تركيزها على أن تتفرّد البرمجة بمادّة فنية طربية مُحترمة  عوّلت فيها على فنّانين مُهمين أمثال الفنان العربي لطفي بوشناق والفنان محمّد الجبالي والفنانة آمنة فاخر إلى جانب إحياء آمال الفرق والمجموعات كأن انتقت التواصل مع "المألوف" من  تونس بمشاركة  مجموعة "نوى" التي يقودها  الفنان  التونسي إبن القيروان زين الحدّاد وطبعاً حضور القدود والموشّحات الحلبية  من خلال فرقة سلاطين شيوخ الطرب من سوريا.


وتعتني فرقة سلاطين شيوخ الطرب السورية  كما تحدّث رئيسها  السيّد بشير أحمد بيج،  بالتراث العربي على وجه العموم والتراث السوري على وجه الخصوص.  وقد تعاملت المجموعة  خلال مسيرتها  مع  مطربين من تونس من حوالى 5 سنوات مثل نور الدين الباجي وياسين الدريدي ناهيك عن جولتها بعديد الدول الأوروبية والآسيوية والعربية. 


وأشار "بيج " الذي لم يخفِ اهتمامه بالتواجد بعاصمة الأغالبة ،  الى أن  الفرقة تعمل على إحياء التراث السوري القديم والعتيق والأغاني والقصائد الطربية الأصيلة، لا فقط على مستوى عالمي وعربي وإنما حتى على مستوى المناطق الداخلية من شمالها إلى جنوبها ، ولعل هذا ما يُترجم مشاركتهم التي كانت حاضرة في عديد المناطق بتونس،  مُبيناً ان الهدف هو مزيد التعريف بالفن الحلبي.


*سلاطين في حضرة السلاطين  

  

من "عطر  حلبٍ وريحها" غنّوا وكأنهم  يتحدّون بتراثهم الفني كلّ حصار، و أنّ لا حصار للفن وللثقافة ، حلّوا على مسرح القيروان بأزياء تونسية وأخرى سوريّة،  في تناغم يعلن  التواصل الثقافي بين البلدين.  فقدّموا من حلب  قدودها وأندلسيّاتها، وموشّحاتها  لينيروا ليلة من  18 ليلة   في مهرجان "ليالي القيروان "، "يا غصـن نقا مكللاً بالذهب" ، "جاءت مُعذّبتي في غيهب الغسق "  " ياطير طيري يا حمامة " يا مال الشام  يلاّ يا مالي "، قل للمليحة في الخمار الأسود "، موشّحات وقدود حلبية غازلت عشّاقها بالقيروان مغازلة رشيقة تسرّبت إلى الوجدان  ليوقظ فيك سرّ الكلمة ومدلولها في الحضارة العربية بل و مدى قوة تأثيرها الحاضر فينا  رغم تعاقب الأزمان.


أغنيات  وموشّحات  أثرت  المدوّنة الموسيقية  العربية والعالمية ، حيث اشتهر أهل حلب بابتداع القدود ورقص السماح وكانوا يُعدّون ملوك الموشحات التي نهلت من العبقري زرياب والفارابي أشهر موسيقي عصره و أبي الفرج الأصفهاني صاحب الكتاب  الشهير الأغاني.


  وفي هذا السياق  يشير الأستاذ  عيسى فياض مدير فرقة إحياء التراث: “فن القدود نشأ كضرورة ثقافية وفنية في أواخر القرن الثامن عشر، وهو عبارة عن صياغات جديدة لكلمات مُرتكزة على ثلاثة مصادر أساسية ، فالموشّحات والأناشيد الدينية المُتداولة في الموالد والأذكار، والأغاني والموشّحات الأعجمية التركية والفارسية على وجه الخصوص، والأغاني الشعبية والفولكلورية والتراثية . ولاحظ الشعراء والموسيقيون أن بعض تلك المصادر تتمتّع بألحان جميلة يجب الحفاظ عليها وتداولها ونقلها عبر الأزمنة، ولكي يتمكّنوا من غنائها في مجالس الأنس والسمر عمدوا إلى استبدال كلماتها بكلمات شعرية جديدة على "قد" الكلمات الأساسية، مع الحفاظ على اللحن الأصلي، لذلك سُمي الواحد منها "قداً" وجمعها قدود. أما من الناحية الموسيقية فالقد ليس قالباً موسيقياً بحد ذاته".


  الجمهور القيرواني الذي حضر بمختلف أعماره أبدى تفاعلاً كبيراً مع القدود التي على ما يبدو أنها قدّت هي أيضاً على مقاس ، بعض الحاضرين الذين  أعربوا عن ارتياحهم  لهذا النوع من الفن الذي وصفه أحد الحاضرين بالثمين قائلاً "  لا خوف على حلب لا خوف على   ثقافتنا  طالما أن هناك اجتهاداً من هذه الفرق لإثبات الهوية ".


وفي مراوحة  بين "المالوف التونسي والقدود الحلبية تولّى أحد افراد المجموعة وهو شاب عوّل على قوة حباله الصوتية ، أداء موشّح المألوف التونسي« دور العتاب  » للفنان التونسي الهادي الجويني  ورغم صعوبة الموشّح  الا أن أداءه  كان فيه من الروح والاحساس ما يقنع ويطرب. كما قدّمت الفرقة أيضاً عدداً من الأغاني على غرار" يا اللي ظالمني" للمرحوم علي الرياحي.


ويبقى  للمهرجانات رغم عديد الصعوبات المادية التي تواجهها في كل موسم دور فعّال في احتضان هذا النوع من  الثقافات التي توارثت جيناته  الفنية الأجيال  لتنجب خامات فنية  بإمضاء  "فيينا الشرق".