محرقة مسلسل "أم هارون".. أو حين يكون الفشل لقيطاً؟
كان لافتاً أن تنبري خلال اليومين الماضيين جرائد وأقلام في بعض الدول الخليجية لتوجيه سهام النقد إلى مسلسل "أم هارون".
لم يكمل مسلسل "أم هارون" أسبوعه الأول، حتى سقط في اختبار تمرير مروية "المجرم الظريف" الذي يمكن أن يكون بديلاً من صاحب الحق المطحون ظلماً وغدراً من ذوي القربى أولاً، وأساطيل الاستكبار العالمي دائماً. وسقوط المسلسل أخلاقياً وثقافياً وفكرياً وفنياً ليس مجرد معركة انتصرت فيها أم عطا صاحبة الدار على أم هارون عنوان العار.. هو نصر برسم مرحلة لاحت تباشيرها في الأفق.
كان لافتاً أن تنبري خلال اليومين الماضيين جرائد وأقلام في بعض الدول الخليجية لتوجيه سهام النقد إلى مسلسل "أم هارون". جوهر النقد كان لهشاشة السيناريو ووقوعه في فخ الاستسهال، الأمر الذي تبدّى في "أخطاء تاريخية". هكذا يقول نقّاد المسلسل، وخصوصاً حين يلتبس الأمر على صنّاع العمل بين اليهود و"إسرائيل".
ويذهب بعض الإعلاميين في صحف خليجية أبعد، حين يعتبرون أن "التوقيت السياسي" لعرض مسلسل "أم هارون" غير مناسب، على خلفية حالة الشحن التي تشهدها البلدان العربية بعد طرح ترامب "صفقة القرن". توقيت العرض فقط غير مناسب! بمعنى أوضح، قد يأتي في المستقبل ظرف عربي تصبح فيه "أم هارون" صاحبة الدار وعنوان تواصل وأخوة بين بعض العرب وأهل المجرم الظريف. هكذا يتأمل بعض الخونة والمطبّعين.
لقد تحرك جانب من الآلة الإعلامية الخليجية لنحر "أم هارون" درامياً وتاريخياً، ليس لأنها تمثل وصمة عار في جبين الفن والثقافة العربيين، وإنما إنقاذاً للفكرة والسردية الصهيونية. لا زالت أم هارون/اليهودية أو اليهودي المظلوم في المجتمعات العربية فكرة مطروحة في مخابر التطبيع والبيع العربي لبعض حكام المنطقة، وإحراق هذا المضمون السردي والتاريخي المزيف بهذه السرعة تصرف خاطئ يجب تداركه، بل يجب البناء على محرقة مسلسل "أم هارون" لتعديل الخطط والاستراتيجيات.
تحرُك الماكينة الدعائية لتعديل كفّة الانهيار الأخلاقي والسياسي للجهات التي تقف خلف مسلسل "أم هارون"، جاء بعد انقلاب موازين المعركة الإعلامية لصالح أصحاب الأرض. والمتتبّع العادي لشبكات التواصل الاجتماعي يمكن أن يتلمّس بؤس البضاعة التي أرادت بعض القوى العميلة تمريرها خلال الشهر الفضيل؛ بؤس تجلى في حجم الردود المستنكرة والرافضة لجر الشعوب العربية إلى بيع آخر ما تبقى من رموز العزة والكرامة العربية، وهي القدس.
والثابت أن خبراء ومستشاري الخيانة والتطبيع لدى بعض الدول العربية التي تجاهر بالدفاع عن "صفقة القرن"، أدركوا سريعاً أن المراهنة على فكرة أن الجمهور العربي "لن ينتبه"، وإذا انتبه "فلن يأبه"، أثبتت فشلها، بل إنهم، ولأنهم خبراء فعلاً، استشرفوا حجم الخسائر التي تنتظرهم مع نهاية الشهر المبارك، لهذا كان لزاماً أن تخرج "أم هارون" من المعادلة.
لطالما كانت القضية الفلسطينية، منذ النكبة وإلى اليوم، هي قضية الشعوب العربية، وليست قضية أنظمة مستبدة خانعة، إلا القلة القليلة منها، ولأنها كذلك، ولأن نواميس الكون محكومة بتوازن رباني حكيم، مكّن الله الشعوب المقاومة في المنطقة من أدوات الصراع، ما يقربها أكثر يوماً بعد يوم إلى القدس.. لأنها مسافة الطريق فقط.
الضمير العربي الافتراضي هو من قلب الطاولة في وجه "أم هارون" اللصّة المتسلّلة، ورمى بها إلى مزبلة النسيان. ملايين الدولارات التي صُرفت على عمل درامي أريد له أن يكون بوابة لتمرير التطبيع اجتماعياً ونفسياً في وجدان الطبقات البسيطة ثقافياً وسياسياً في العالم العربي، نسفتها ملايين الصفحات العربية المقاومة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
تبدّلت موازين الصراع. وكلَّما أوغل أعداء الأمة في خيانتهم وتطبيعهم، استنهضوا جزءاً كبيراً من العرب، كان تائهاً أو غافلاً عن حقيقة المعركة.
في العالم الافتراضي، بدا صنّاع دراما التطبيع في العالم العربي مثل راقصات، ونحن لا نكشف البارود حين نقول إن هذا العالم الافتراضي هو من أسقط عروشاً في المنطقة العربية، وهو قادر.. بل بدأ فعلاً بتعديل كفة الميزان.. ومحرقة "أم هارون" مجرد بداية.