محافظة إدلب.. برميل بارود في وجه إردوغان
لم تكترث الدَّولة السّوريّة لتهديدات رئيس النظام التركي رجب طيب إردوغان. وبعد ساعة واحدة من تهديداته، حاصرت مدينة سراقب الاستراتيجيَّة.
باتت محافظة إدلب أو "قندهار سوريا" الخبر الأوَّل والرئيسيّ في وسائل الإعلام والشارع السّوري والعربي، بعد التقدّم السريع والكبير للجيش السّوريّ فيها، إذ لا تمرّ ساعة أو نصف ساعة إلا ويتمّ الإعلان عن تحرير مدينة أو قرية أو تلَّة استراتيجيّة في المحافظة الّتي كانت، في نظر الإرهابيين، عصيَّة على أيّ عمليّة عسكريّة للجيش السّوري.
لنتحدَّث عن محافظة إدلب بشكل عام، حتى نفهم طبيعتها وسبب العمليّة العسكريَّة وتقدّم الجيش السّوري السّريع فيها.
أولاً، تعدّ محافظة إدلب بؤرةً لأكثر الأفكار تطرّفاً في سوريا. وقبل الحرب بسنوات، قامت أجهزة الأمن السوريَّة بعمليات نوعية ضدّ بعض التنظيمات الإرهابيَّة التي كانت على علاقة مع "تنظيم القاعدة".
ثانياً، تعدّ محافظة إدلب بوابة تركيا على المحافظات السوريَّة، لأنها على صلة مباشرة بثلاث محافظات، هي حلب وحماة واللاذقية، وصارت تشكّل تهديداً مستمراً لها، بفعل القذائف والصّواريخ والهجمات الإرهابية التي تشنّ منها.
ثالثاً، تعدّ إدلب حلقة وصل للطّرق الدوليّة، وأوَّلها طريق حلب - دمشق، ويُعرف بطريق M5، ويمتدّ من مدينة حلب وحتى الحدود الأردنية، ويمرّ بمحافظة إدلب. وبسبب هذا المرور، فإنَّ الطريق مقطوع منذ سنوات. أما الطريق الآخر، فهو حلب - اللاذقية، ويعرف بطريق M4، ويمتدّ من منطقة اليعربية على الحدود العراقية وحتى محافظة اللاذقية، وهو أيضاً مقطوع بسبب مروره بمحافظة إدلب.
منذ بداية الأحداث في سوريا، دخل إلى إدلب عشرات الآلاف من الإرهابيين الأجانب، من القوقاز والشيشان والتركستان، أي الإيغور والعرب. وقد وقعت قرى وبلدات بأكملها في يد الإرهابيين الأجانب، بعد طرد أهلها منها ليستوطنوا فيها.
ومنذ العام 2015، نُقل آلاف الإرهابيين الَّذين رفضوا المصالحة الوطنية مع الدولة السوريَّة من مختلف أنحاء البلاد إلى محافظة إدلب، وبالتالي باتت أشبه ببرميل بارود ينتظر شرارة لينفجر، ولكن لماذا لم ينفجر في وجه الدولة السورية عندما تقدَّم جيشها وحرَّر أهم المدن وأبرزها، من مثل خان شيخون ومعرة النعمان، وأخيراً، وليس آخراً، سراقب؟
من يتعمَّق في دراسة الديمغرافيا السورية يعلم أنَّ سوريا تخلو من الطائفية، ولكن توجد فيها عصبية مناطقية. وخلال السنوات الأخيرة، تم إرسال آلاف الإرهابيين من حلب وحمص ودمشق ودرعا وأرياف هذه المناطق إلى إدلب، ووضعهم، مع كلِّ خلافاتهم وأزماتهم المناطقية، في محافظة واحدة، وهو ما عزَّز الخلافات الطبقيّة والمناطقيّة وحوَّلها إلى نزاعات مسلَّحة فيما بينهم، إضافةً إلى كثرة الداعمين للإرهابيين، ولا سيما بعد الأزمة بين السعودية وقطر، الأمر الذي عزَّز أيضاً التفرقة بين الجماعات الإرهابية، وسهَّل عملية التقدّم في محافظة إدلب.
لقد خاض الجيش السوري اشتباكات عنيفة ضد الإرهابيين في إدلب، لكنَّ المسلَّحين لم يستطيعوا الصّمود في وجهه، لأنهم مكسورون ومتفرقون وممزقون داخلياً.
يعتبر النظام التركيّ محافظة إدلب حديقةً خلفيةً له، والإرهابيون فيها جيشه الثاني الّذي يضرب به أينما أراد. وعمل لعدة سنوات على تطوير هذا الجيش المؤلف من الإرهابيين وتغذيتهم، سواء كانوا سوريين أو أجانب، فقد شنَّ عدوانه على الأراضي السورية من خلالهم، سواء في عفرين أو في شرق الفرات، وبات يرسلهم في مهمات خارجية، من مثل ليبيا.
لذلك، إنّ أيَّ عملية في إدلب تهدّده بشكل شخصيّ، لأنها تهدّد بقاء "كلبه الوفي" الَّذي لا يعصي أمره في المحافظة، كما أنَّ النظام التركيّ بات يخشى غضب الإرهابيين، إن لم يتحرّك لصدِّ هجوم الجيش السوريّ في إدلب. ولذلك، بات يصعّد لهجته ضد دمشق، في محاولةٍ منه لثني الجيش السوري عن هجومه وإرضاء الإرهابيين.
لم تكترث الدَّولة السّوريّة لتهديدات رئيس النظام التركي رجب طيب إردوغان. وبعد ساعة واحدة من تهديداته، حاصرت مدينة سراقب الاستراتيجيَّة، ولم يمر يوم واحد حتى حرَّرها الجيش بالكامل، على الرغم من طلب إردوغان انسحابه إلى ما وراء سراقب، وبدأ الجيش التركي ما يمكن تسميته حرب قطاّع الطرق، فحاول قطع طريق حلب - دمشق أو حلب - اللاذقية، إلا أنَّ الجيش السوري حاصره، وفتح الطرق، وأكمل عمليّاته.
قد ينفّذ إردوغان تهديداته باستهداف الجيش السوري في نهاية الشهر الجاري، إلا أنّ رد فعل دمشق سيكون غير متوقعٍ لأنقرة، وخصوصاً أنَّ 8 نقاط مراقبة تركية محاصرة بشكل كامل من قبل الجيش السوري في حلب وإدلب، إضافةً إلى وجود 3 نقاط أخرى تبتعد عنه مئات الأمتار فقط.
وبالتالي، إن أيَّ تهور تركي سيجعل إدلب وما حولها من مناطق تركية تشتعل بالكامل، لأنَّ دمشق ستستهدف بالتأكيد مناطق النار التي ستُطلق عليها إن نفّذت أنقرة تهديداتها.
إنَّ تجاوز إردوغان الأعراف الدوليّة بتهديد دولة ذات سيادة بعملية عسكرية، إن لم ينسحب جيشها من أراضيها، لا ينطبق عليه سوى بيت شعر لأبي الطيّب المتنبي:
أفي كلِّ يومٍ تحتَ ضبني شُـويـعـرٌ ضَـعيـفٌ يُقاويني قصيـرٌ يُـطـاوِلُ
يهدّد إردوغان نفسه بتهديده دمشق الَّتي ستعيده إلى رشده، بلا شك، من خلال صدمة قد لا يستفيق بعدها. أقصى ما يمكن أن يفعله هو الهرولة إلى موسكو من أجل الضغط على دمشق للانسحاب، في الوقت الذي تعلم روسيا جيداً الخطوط الحمراء التي وضعتها دمشق، وبالتالي إنَّ خيارات إردوغان محدودة، وجميعها قنابل موقوتة. لننتظرْ ونرَ: هل ستنفجر من تلقاء نفسها أو أنه سيستعجل الأمر ويفجّرها بنفسه؟