كورونا وذكرى يوم مثلج في بلادي
اليوم، وبينما تخوض الصّين معركتها مع "كورونا"، أستذكرُ الفرق في التعاطي مع الأحداث من مختلف النواحي.
لم تحتج الصّين إلى شعارات وخطابات ورجالات يعتلون المنابر كي تواجه حربها ضد "كورونا"، فالكلام عند الشدائد لا ينفع إلا المنكوبين العاجزين عن التصرف.
في هذه الأزمة التي أُديرت، ولا زالت تُدار، بكلّ عناية وصرامة، كانت سلامة الإنسان هي الأولوية، من خلال إجراءات مشددة وتصرفات لبقة، بدءاً من الجامعة، مروراً بلجنة البناء التي تتفقّد السكّان وتسجّل أرقامهم وأسماءهم، وصولاً إلى المعقّمات التي تستخدم أمام أبواب المنازل يومياً.
لم تتوانَ الجامعة عن الاتصال بكلِّ الطلبة بشكل دائم، ولا سيَّما الأجانب، للاستفسار عما إذا كانوا يشعرون بأعراض المرض أو إذا ما زاروا مدينة "ووهان" مؤخراً، وأطلقت أرقاماً "ساخنة" لحالات الطوارئ، ناهيك بجداول "الإكسل" الَّتي أُرسلت إليهم لمعرفة أماكن تواجدهم باستمرار.
أيضاً، لم تنقطع شركات الهاتف يوماً عن إرسال الرسائل النصّية المرفقة بتعليمات وإرشادات حول أساليب الوقاية من الفيروس، ونصائح بعدم الخروج من المنزل إلا في حالات الضرورة.
تطبيق "we chat" الصيني المعروف عالمياً، أضاف، بدوره، خياراً خاصاً بتفقّد عدد الحالات المصابة بالفيروس والوفيات، منعاً لتسرب أيّ شائعة.
وبذلك، تُسدُّ كلّ الثغرات التي قد تنفذ منها الأخبار الكاذبة، بدلاً من توجيه الاتهامات العشوائية إلى أيّ شخص بتهمة توهين نفسيّة الأمة.
في لحظة كتابة هذا المقال، لم أستطع أن أُبعد عن ذاكرتي اليوم الَّذي كانت الثلوج فيه تغطي الطرقات، ما أدّى إلى انقطاعها.
تساءل طلاب إحدى الجامعات عن إمكانيّة وصولهم إليها لتقديم الامتحانات، ولا سيما بعد ارتفاع نسبة حوادث السير نتيجة الانزلاقات. ضجّ جميع الطلبة وطالبوا الجامعة بإلغاء الامتحان أو تعديل موعده.
عند الساعة العاشرة من مساء اليوم الَّذي يسبق الامتحان، تواصلت إحدى الإذاعات مع رئيس الجامعة، لمعرفة إمكانية تأجيل الامتحانات في الكليات كافة.
قال رئيس الجامعة إنَّ "الطقس ماطر وعاصف، والطريق مقطوع، والأحوال الجوية المتوقعة ستكون عنيفة خلال الأيام القادمة"، وأشار أنّه "حرصاً على الطلبة، فإنَّ الأجواء المثلجة شديدة البرودة. ومن أجل الطلبة، فإنّ الرياح ستزداد خلال الساعات القادمة".
قدّم رئيس تلك الجامعة نشرةً جويةً مفصّلةً، وأظهر اطّلاعه على كلّ التفاصيل المتعلقة بالتغيرات الجوية، وأذهل كلَّ من سمعه، لا لأنَّه لم يفهم شيئاً مما قاله، بل لأنَّ اطّلاعه كسر برودة الجو وحدّة الموقف.
انتهى الاتّصال من دون تقديم أيّ إجابة، ولم يعرف أحدٌ ما إذا كانت الجامعة ستفتح أبوابها في اليوم التالي. عندها، اتخذ الطلاب قراراً جماعياً بعدم الذّهاب لتقديم الامتحان وفقاً لمبدأ "يبلطوا البحر".
اليوم، وبينما تخوض الصّين معركتها مع "كورونا"، أستذكرُ الفرق في التعاطي مع الأحداث من مختلف النواحي. وعلى الرغم من الفارق الكبير بين انتشار الوباء الّذي أودى بحياة عددٍ من الضحايا، وانقطاع الطرق الَّذي أدى إلى عددٍ من حوادث السير، فإنَّ تعاطي المعنيين مع الحدثين اختلف إلى حدٍّ كبير.
ربما على الدّول النّامية أن تبذل المزيد من الجهد كي تعطف على شعوبها، لعلّ هذه الشعوب التي أضناها كلّ شيء تلين بشعور العاطفة والحب، ولو كان كاذباً.