"حفل" إعلان "صفقة القرن".. حضورٌ سعوديٌ فاعل!
إلى جانب دورها في تمويل "صفقة القرن"، بحسب ما أعلن كوشنر، مارست السعودية في الأعوام المنصرمة ضغوطاً مكثفة على الفلسطينيين من أجل القبول بها. لذا، فإن الغياب السعودي عن حضور "حفل" إعلان "الصفقة" يوضع في خانة "الغياب الصوري الخادع".
حضرت الإمارات وسلطنة عمان والبحرين في "حفل" إعلان "صفقة القرن"، وغابت السعودية؛ غيابٌ غير منطقي، استناداً إلى دور الأخيرة الفاعل في الصفقة، تفضحه تفاصيلها وبنودها، من خلال المسارين السياسي والاقتصادي اللذين اتبعتهما الرياض قبل الوصول إلى لحظة إعلان "الصفقة".
في آذار/مارس العام الماضي، صدر كتاب بعنوان "كوشنر وشركاؤه: الجشع، الطموح، والفساد. قصة استثنائية عن جاريد كوشنر وإيفانكا ترامب"، للصحفية الاستقصائية البريطانية الأصل، فيكي وارد.
في كتابها تقول "وارد" إن السعودية مفتاح خطة جاريد كوشنر "للسلام في الشرق الأوسط"، بحيث أن ما أراده الأخير، بحسب العديد من الأشخاص الذين اطلعوا على مسودات الخطة حينها، هو أن يوفر السعوديون والإماراتيون "المساعدة الاقتصادية للفلسطينيين".
في الكتاب أيضاً تذكر الصحفية البريطانية أن الخطة شملت تبادل أراضٍ، بحيث يقوم الأردن بإعطاء أراضٍ للفلسطينيين، عوضاً عن الجزء الذي استوطنه الإسرائيليون من الضفة الغربية وغور الأردن. وفي المقابل، "سيحصل الأردن على أراضٍ من السعودية، التي ستستعيد بدورها جزيرتين في البحر الأحمر كانتا تحت السيادة المصرية منذ عام 1950".
يورد الكتاب تفاصيل ما طلبه كوشنر من السعودية والإمارات في سياق "دعمهما الاقتصادي" للدولة الفلسطينية التي تطرحها الصفقة، وذلك من خلال مد أنابيب نفطٍ من السعودية لقطاع غزة "حيث يمكن بناء المصافي ومنصات الشحن، مما يمكن من إقامة محطات تحلية المياه وخفض معدل البطالة في القطاع".
بعد ذلك بأشهر، وتحديداً في حزيران/يونيو، عُقد في العاصمة البحرينية المنامة، ورشة لمناقشة الشق الاقتصادي من "صفقة القرن"، وحضرها إلى جانب كوشنر ممثلون عن معظم الدول الخليجية وعلى رأسهم السعودية، باستثناء الكويت، كما حضرتها وفود غير رسمية من ضمنهم رجال أعمال وإعلاميين إسرائيليين، وبغيابٍ ورفضٍ فلسطيني رسمي جامع لها.
وتقرّر في نهاية المؤتمر، تجنيد 50 مليار دولار على أن يتم استثمار 27 مليار دولار في "فلسطين الجديدة" خلال العقد المقبل، وفق ما أعلنه كوشنر، بينما يتم استثمار 23 مليار دولار في مصر ولبنان والأردن. وستسدد الولايات المتحدة من المبلغ المعلن نحو 20%، والاتحاد الأوروبي 10%، في حين يقع على عاتق دول الخليج النسبة المتبقية، وهي 70%.
ورغم إعلان الرياض قبيل مشاركتها في "ورشة البحرين"، أنها لن توافق على أي حلٍ خارج "المبادرة العربية للسلام" التي طرحتها قمة بيروت العربية في عام 2002، إلا أن جاريد كوشنر، وخلال فترة "الورشة" هاجم المبادرة التي أطلقها الملك السعودي السابق عبد الله بن عبد العزيز عندما كان ولياً للعهد، والتي تدعو إلى إقامة علاقات طبيعية بين العرب و"إسرائيل" بعد إعادة "الحقوق العربية"، ومن ضمنها إقامة دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي المحتلة عام 1967 عاصمتها القدس الشرقية، وكذلك حل مشكلة اللاجئين بناءً على القرار الأممي رقم 194.
وقال كوشنر في مقابلة تلفزيونية حينها: "أعتقد أنه لابد من أن نعترف بأنه إذا تم التوصل إلى اتفاق، فلن يكون متماشياً مع مبادرة السلام العربية، بل سيكون حلاً وسطاً بين المبادرة العربية والموقف الإسرائيلي".
لم تتوقف السعودية، عند عملية تعويم "الشق الاقتصادي" من "صفقة القرن"، بل تعدتها إلى خطوات سياسية حاولت من خلالها الضغط على السلطة الفلسطينية للقبول بالطرح الأميركي. وفي هذا السياق، أشارت صحيفة "جيروزالم بوست" الإسرائيلية في تقريرٍ لها بتاريخ 4 آب/أغسطس العام الماضي، أي بعد أكثر من شهرين على "ورشة البحرين"، إلى وجود أزمة حقيقية بين السلطة الفلسطينية والسعودية، إثر مشاركة الأخيرة في الورشة.
وذكرت الصحيفة أن التوترات بين رام الله والرياض بدأت في أواخر عام 2017، عندما نُقل عن مسؤولين فلسطينيين قولهم إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، هدد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، خلال اجتماع بينهما بأنه ستتم إقالته من السلطة إذا لم يتعاون مع المملكة. وأوضحت الصحيفة أن ولي العهد كان يحاول الضغط على عباس للعمل مع إدارة ترامب وقبول خطة السلام المقبلة.
وفيما بعد، اشتكى مسؤول فلسطيني آخر من أن ابن سلمان كان "وقحاً للغاية" مع عباس أثناء لقائهما. وقال المسؤول لـ "جيروزاليم بوست": "لقد غادرنا بانطباع بأننا كنا نجلس مع سفاح غير متعلّم كان يحاول أن يملي الأمور علينا".
الصحيفة الإسرائيلية تحدثت أيضاً عن تقارير تفيد بأن ابن سلمان عرض على عباس 10 مليارات دولار "لقبول اتفاق ترامب للسلام"، مشيرةً إلى أن رئيس السلطة رفض العرض، قائلاً إن ذلك "سيعني نهاية حياتي السياسية".
ما بين تمويل "الصفقة" والضغط باتجاه تنفيذها، لعبت الرياض دوراً مركزياً وصولاً إلى إعلان ترامب عنها. وبينما زعمت السعودية في أكثر من مناسبة تمسكها بـ"المبادرة العربية"، فإنه وبعيداً عن ممارساتها السابقة جاء بيان وزارة خارجيتها عقب إعلان الصفقة ليكشف حجم التدليس الذي مارسته، إذ أن البيان لم يعلن رفضه للصفقة رغم أنها لا تحقق أدنى شروط "المبادرة" بل اكتفى بدعم الولايات المتحدة، لا بل دعاها إلى أن تكون وسيطاً بين الإسرائيليين والفلسطينيين في مخالفة صريحة للمطلب الفلسطيني، مكتفياً بذكر "جهود المملكة" ومن ضمنها "المبادرة"، وذلك من دون أن يتبناها أو حتى يدعو إلى مراجعتها.
على هذا النحو، وبناءً على ما تقدّم، يظهر وبشكلٍ واضح أن الحضور العربي لم يقتصر على الإمارات وسلطنة عمان والبحرين، بل إن السعودية كانت حاضرة وبقوة، في التفاصيل، لا بل إنّ ترامب ونتنياهو كانا خير ممثلين لجهدٍ دأبت الرياض على ممارسته في السنوات الأخيرة، من أجل تمرير "صفقة القرن".. بالقوة.