الرئيس التركي يُوحِّد العالم!
سوريا تعتبر أن خروج الأميركي من الشمال السوري، هو مؤشّر إيجابي يدلّ على أنّ الأميركي قد بدأ طريق الخروج الكامل، وهذا ما سيجعل مهمتها ومهمة حلفائها في إنهاء هذه الحرب أكثر سهولة وأقلّ خسائر.
في معركته في شمال سوريا استطاع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أن يُوحِّد مُعظم دول العالم ضدّ تركيا، ولِكلّ دولةٍ أسبابها الخاصة في ذلك، وقبل أن نحاول قراءة أسباب كلّ دولة، لا بدّ من إيضاح موقف الطرفين المعنيين مباشرةً بالمعركة، أي تركيا والانفصاليين الكُرد.
هنا نجد أن تركيا تتمنّى لو أنّها تستطيع اجتياح كلّ منطقة شرق الفرات والبقاء هناك لأطول فترةٍ مُمكنة، وبما أنها عاجِزةٌ عن ذلك، سيكون هدفها تغييراً ديموغرافياً يُمكّنها من إقامة شريطٍ آمِنٍ لها ضمن الحدود السورية، على أن يتمّ ترحيل اللاجئين السوريين من تركيا إليه، بحيث يكون هذا الشريط بحماية العصابات التابعة لها.
أمّا الانفصاليون الكُرد فهم يقاتلون دفاعاً عن وَهْمٍ قوامه "كانتون" يتوحّد مع كُردستان العراق ليُشكّلا دولة، مع أنّهم يعرفون أنّ غالبيتهم الساحقة لجأوا إلى سوريا هاربين من دولٍ كانوا مواطنين فيها، أمّا مقاتلة الفصائل المُنحدِرة من بعض العشائر العربية فما هم إلا مرتزقة لا حافز لهم سوى الأموال الخليجية.
- روسيا:
التي تحاول الاستمرار في جَذْب التركي من خلال ما تُبديه من تَفهّمها لموقفه ولكن ضمن ضوابطٍ، وهنا يظهر موقفها السلبي من "قسد"، التي ارتهنت للأميركي بشكلٍ مُطلَقٍ بعدما كانت علاقة الكُرد مميّزةً مع الروس تاريخياً، كذلك رغبتها بمُعاقبة "قسد" وتحجيمها، ولاسيما بعد أن أخلفت بالكثير من الوعود التي قطعتها في المرات التي طلبت من روسيا التوسّط بينها وبين الدولة السورية.
- الولايات المتحدة الأميركية:
يجد ترامب أن هذه المعركة هي فرصةٌ لِتنفيذ القرار الذي اتّخذه منذ فترةٍ وتَمّ تعطيله من قِبَل البنتاغون، والقاضي بسحب الجنود الأميركيين من سوريا، وذلك بعد أن فَقدَ الأمل بمُقايضة خروج الأميركي مقابل خروج الإيراني، كذلك لِتوريط إردوغان أو للانتقام منه بسبب تقارُبه مع روسيا، ولاسيّما أنّه يعتقد بوجود تنسيقٍ روسيٍ تركيٍ قبل الدخول في هذه المعركة، أمّا خصوم ترامب فيرونها فرصةً للهجوم عليه وإضعافه ما يخدم مصالحهم الانتخابية.
- الدول الأوروبية:
يهمّها أن تتوقّف هذه المعركة وذلك لثلاثة أسبابٍ:
ـ خوفهم من خروج عناصر "داعش" من سجون "قسد" بطريقةٍ أو بأخرى، وعودتهم إلى بلدانهم في أوروبا.
ـ الدول الأوروبية تاريخياً تطرح نفسها كداعمٍ للكرد، ولِحقّهم في بناء دولةٍ مستقلةٍ.
ـ وجود جاليةٍ كُرديةٍ كبيرةٍ في معظم الدول الأوروبية.
- السعودية:
في ظِلّ التنافُس السعودي التركي على الزعامة الإسلامية، يرى السعوديون أنّ أملهم بالتفوّق على تركيا قد بدأ يتلاشى، مع أنّهم وفّروا لتحقيق هذا الأمل كلّ أنواع الدعم للعشائر العربية وللانفصاليين الكرد.
- إيران:
يهمّها أن تتوقّف هذه المعركة وذلك لسببين:
ـ مصالحها الاقتصادية مع تركيا، وخاصّة أن تركيا هي مُتنفّسٌ حقيقيٌ لإيران في ظِلّ العقوبات الأميركية عليها، وإيران ترى أن أيّة خطوةٍ تركيةٍ خاطئةٍ قد تؤدّي إلى إضعاف تركيا، وبالتالي التأثير على هذه المصالح.
ـ الخشية من فرار المقاتلين الكُرد إلى الحدود الإيرانية.
- "إسرائيل":
لا تخفي انزعاجها الكبير من هذه الخطوة التركية، لأنّها تعتبر أنّ هذه المعركة ستكون سبباً مُبرِّراً لانسحاب القوات الأميركية من سوريا، ما يعني قُرب نهاية الحرب السورية، كما يعني تبخّر الحُلم الإسرائيلي الكُردي المشترك في إقامة دويلةٍ كردية،ٍ تكون قاعدةً إسرائيليةً داخل الأراضي السورية.
- سوريا:
برغم الخسائر التي ستنجم عن هذه المعركة، فهي ترى أنّها معركة استنزاف العدو بالعدو، كذلك ترى تحوّلاً مُهمّاً بِمواقف معظم دول العالم التي عملت على إسقاطها، وخاصة الدول العربية، قد بدأت تتطلّع إلى التقرّب منها ودعمها لمواجهة المشروع العثماني الجديد، مع أن سوريا لا تثق بمثل هذه المحاولات، ولا تعقد عليها أيّ أملٍ، بل يبقى أملها بقوّتها الذاتية وقوّة حلفائها ووفائهم، فسوريا تراقب ما يجري وهي على قناعةٍ كاملةٍ بأنّ كِلا الطرفين، التركي و"قسد" أو أحدهما على الأقل، سيطلب تدخّلها لوقف هذه المعركة، ولاسيما أنّها تمتلك من مقوّمات النجاح في ذلك ما لا تمتلكه أيّة جهةٍ أخرى، وهنا لا بُدّ من القول أنّه مُخطئٌ مَن يعتقد أنّ سوريا غير متواجدةٍ الآن بشكلٍ أو بآخر في معركة شرق الفرات، لأنّ استراتيجيتها في كلّ مراحل هذه الحرب هي أن تكون متواجدةً في كلّ المناطق السورية، بما فيها تلك التي تخضع لسيطرة غيرها، وبطبيعة الحال لا نعني الجانب العسكري مع أنه قد يكون وإن كان بغير اللباس العسكري السوري، بل نعني غيره من أنواع التواجد الذي يجعل حضورها العسكري أسرع وأنجح عندما يحين الوقت، وأخيراً لابدّ من الإشارة إلى أن سوريا تعتبر أن خروج الأميركي من الشمال السوري، هو مؤشّر إيجابي يدلّ على أنّ الأميركي قد بدأ طريق الخروج الكامل، وهذا ما سيجعل مهمتها ومهمة حلفائها في إنهاء هذه الحرب أكثر سهولة وأقلّ خسائر.