بينما الاحتجاجات تعمّ العراق ولبنان.. ماذا عن اليمن؟
الاتفاق المُبرَم بين حكومة هادي والمجلس الجنوبي برعايةٍ سعوديةٍ لا يُبشِّر بإنهاء الأزمة في الوقت الحاضر في اليمن الذي يعدّ اليوم جزءاً من الصِراع القائم في منطقة الشرق الأوسط.
لوحِظَ منذ وقتٍ قريبٍ أن التحرّكات الشعبية في العراق ولبنان تُثير ضجَّة كبيرة في الإعلام وفي بعض القنوات التلفزيونية والمواقع الإلكترونية على حساب ملف اليمن. وهذه هي الحال دائماً، إذ تأتي الأحداث الطارِئة لتُبعِد الرأي العام العربي والدولي عن قضايا كبيرة ومُحِقَّة كاليمن وفلسطين. وهذا لا يعني بتاتاً أن قضايا العراق ولبنان هي أقل أهمية أو عدالة من قضية اليمن أو فلسطين، لكن دائماً ينصبّ اهتمام القوى المُعادية على التحرّكات المُحِقَّة لحَرْفِ مسارها بالدرجة الأولى، ولإلهاء الرأي العام العالمي والاقليمي ليغضَّ النظر عن القضايا الكُبرى بالدرجة الثانية.
سمعنا منذ فترة ليست بالبعيدة عن إعلان الإمارات سحب قوّاتها من جنوب اليمن، كما أعلن ذلك السودان أيضاً. لكن ما زال الغموض سيِّد الموقف، وما يزال الشكّ يساوِر الجميع، لأن حقيقة وماهيّة هذا الانسحاب ما تزال غير واضِحة تماماً. قد يُسجَّل هذا الانسحاب على لائحة التكتيك السياسي للتخفيف من الضغط الدولي على ما يُسمَّى "التحالف العربي" في سنته السادسة من حربه ضد اليمن.
يعتقد البعض أن ما يُقال عن انسحاب الإمارات من اليمن ليس إلّا خِدعة لتجنّب الضربات اليمنية على غِرار الضربات السابقة في العُمق السعودي في أرامكو مثلاً وغيرها، إضافةً أيضاً إلى التخوّف من أن أيّ اتفاق أو تسوية في الملف اليمني قد تؤدّي بقوى التحالف إلى مواجهةٍ شَرِسةٍ في المحافل والمحاكم الدولية. إن إعلان الإمارات الانسحاب من اليمن يندرج تحت بند حماية النفس، ومحاولة منها للخروج من القارب قبل غَرقِه الكامل!!
لكن مع ذلك ما زال العدوان قائماً على اليمن. ويتجلّى هذا الأمر بالاتفاقية الموقَّعة مؤخّراً بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي.
الهدف الأول للاتفاق المُبرَم هو تنظيم الصِراع القائم بين السعودية والإمارات في اليمن، أكثر مما هو مشروع للخروج من الحرب وإعادة السِلم والسلام إلى اليمن، وترتيب البيت اليمني، وحل الكارِثة الإنسانية.
أمّا بالنسبة إلى القوى الخارجية الداعِمة للحرب في اليمن كالولايات المتحدة الأميركية فقد صرَّحت على لسان وزير خارجيّتها مارك بومبيو "إن هذه الاتفاقية هي خطوة مهمّة على طريق الحل السياسي".
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هي صيغة ومضمون الحل السياسي الذي يتكلَّم عنه وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية بومبيو؟ هل سيُفرَض هذا الحل السياسي على الشعب اليمني؟ أم هو تقاسُم نفوذ، وموارد وأراضٍ بين القوى المُعادية لليمن؟.
ليس هناك في الوقت الحالي أيّ توصيف أو مشروع جدّي وواضح لهذا الحل السياسي، سوى تقاسُم الغنائم في اليمن، ووضع اليمنيين في مواجهة بعضهم البعض.
أمّا مبعوث الأمم المتحدة فقد رحَّب بشكلٍ واضحٍ بتوقيع هذه الاتفاقية، لكنه لم يشرح كيف ستجد هذه الاتفاقية الموقَّعة حلاً للأزمة الإنسانية التي يُعاني منها الشعب اليمني، وخصوصاً في ظلّ ما أعلنت عنه مؤخّراً وزارة الصحة والسكن اليمنية عن وفاة 100 ألف طفل يمني سنوياً جرَّاء الأمراض والوباء والمجاعة.
أمّا مركز "عين الإنسانية" فقد نشر مؤخّراً دراسة مفادها أن التحالف استهدف بعملياته العسكرية الجوية والبرية والبحرية 461460 منشأةً خدميةً، منها 451684 منزلاً مدنياً، و1052 مدرسة، و383 مستشفى ومرفقاً صحياً، و172 منشأةً جامعيةً وتعليمية ًعُليا، و6112 حقلاً زراعياً، و1294 مسجداً، و46 منشأةً إعلاميةً، و240 موقعاً أثرياً.
بينما حذَّر مؤخّراً المجلس النرويجي من خطرِ مجاعةٍ قد تُهدِّد 10 ملايين يمني جرّاء الحصار.
أمّا الأمم المتحدة فهي تُعبِّر مرة جديدة ومعها عدَّة منظمات دولية عن عدم إمكانيتها حلّ الأزمات في العالم، وتُثبِت بذلك تبعيّتها المُطلقة للولايات المتحدة الأميركية.
يجب التنويه هنا إلى أنّ الاتفاق المدعوم من الغرب ومن الأمم المتحدة لا يأخذ بعين الاعتبار مكوّناً إجتماعياً أساسياً في اليمن كـ"أنصار الله" مثلاً وهذا الشيء ليس إلّا عبارة عن رغبة بعَزلهم وتصويرهم كمجموعةٍ يمنيةٍ رافِضةٍ للحل السياسي وتتابع عمليّاتها العسكرية، ما سيُعطي شرعية جديدة لدول التحالف وخصوصاً السعودية، لمحاولة ضربهم عسكرياً تحت ذريعة أنهم إرهابيون ولا يريدون الإصغاء إلى صوت العقل والسياسة.
إن إبعاد "أنصار الله" عن كل مفاوضات أو اتفاق، لا يُعبِّر عن رغبةٍ بحلٍ سياسي سليمٍ قد يخدم كل أطياف الشعب اليمني، خصوصاً وأن "أنصار الله" هو لاعب أساسي على الساحة اليمنية ويتمتّع اليوم بفائضٍ من القوَّة العسكرية والدعم الشعبي. أثبتت هذه الجماعة أنها في قلب المُعادلة للدفاع عن اليمن والتصدّي العسكري والسياسي لأيّ عدوانٍ عليه.
وعليه فإن الاتفاق المُبرَم بين حكومة هادي والمجلس الجنوبي برعايةٍ سعوديةٍ لا يُبشِّر بإنهاء الأزمة في الوقت الحاضر في اليمن. فاليمن اليوم هو جزءٌ من الصِراع القائم في منطقة الشرق الأوسط بين قوى الاستعمار وأدواتها وقوى المقاومة. والخطاب الأخير للسيّد عبدالملك الحوثي أدخل اليمن بشكلٍ كلّي كلاعبٍ أساسي في الصراع العربي الإسرائيلي، وبعد تهديد "إسرائيل" لليمن، أصبحت المقاومة اليمنية رسمياً جزءاً لا يتجزَّأ من محور المقاومة وعنصراً أساسياً فيه.
أخيراً يبقى الصمتُ الأممي والمساومة على دماء الأطفال اليمنيين جريمة حربٍ بحد ذاتها يُعاقَب عليها القانون والتاريخ الذي بدوره لن يُنصِف كل مَن اعتدى على شعب اليمن.