ما هي أسباب واقعة بحر عُمان؟

الواقعة التي تعرضت لها ناقلتا نفط في بحر عُمان، تدل على أن حشود القواعد العسكرية والأساطيل لا تحمي أمن الخليج بل لعلها تهدّده بمخاطر قد تكون عواقبها خطيرة على السلم العالمي. لكن الأحداث التي تتعرض لها ناقلات النفط قد يكون سببها دفع هذه الأساطيل لخوض الحرب ضد إيران.

ماهي أسباب واقعة بحر عُمان؟

المعلومات والمعطيات عن واقعة الناقلتين في بحر عُمان شحيحة للغاية، على الرغم من الرعب الذي أحدثته في الساعات الأولى. وهذا الشح بعد الرعب يذكر بواقعة ميناء الفجيرة في 12 أيار/مايو الماضي التي فتحت باب التكهنات على مصرعيه، لكن ما جرى إعلانه عن تحقيق في هذه الواقعة لم يشر إلى نتيجة سوى ما أشار إليه جون بولتون عن قناعته بمسؤولية إيران أثناء زيارته لأبي ظبي.

اللافت في واقعة ميناء الفجيرة، أن التحالف السعودي وبريطانيا وأميركا رفضوا طلب إيران بتحقيق دولي لكشف الحقائق. وبشأن واقعة بحر عُمان لم يشر التحالف السعودي ولا الدول الغربية إلى إجراء تحقيق لمعرفة ما حدث وكيف حدث من أجل تحديد المسؤولية. فوزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو يتهم "إيران وأذرعها" بدليل استهداف مطار أبها وغيره، لكنه يتناسى في الحوادث التي ذكرها أن إيران لم تنفّذ عملية واحدة في مياه الخليج من أصل نحو مائتي عملية ضد السفن والناقلات، منها أكثر من عملية أميركية ضد إيران.

ليس لإيران مصلحة آنية في التصعيد ضد ناقلات النفط في مياه الخليج، ولعل مصلحتها الراهنة في أفق مواجهة أميركا هي عدم التصعيد لكسب تأييد الدول الصديقة والمحايدة وألاّ تبادر لخوض المواجهة بمعزل عن تأييد أوسع عدد من الدول الصديقة أو غير المعادية. وعلى أساس هذه القاعدة التي تتبناها إيران في إطار مواجهة معسكر الحرب، تتحاشى تهديد مصالح قطر التي انطلقت منها الناقلة "فرونت ألتر" محمّلة بمادة الايثانول إلى تاويوان. وتتحاشى أيضاً تهديد مصالح اليابان التي تنقل الناقلة الثانية (كوكوكا كاربدجس) النفط إليها، ولا سيما أثناء اجتماع رئيس الوزراء الياباني آبي شينزونغ الذي يحاول خفض التصعيد مع المرشد الإيراني السيد علي خامنئي.

في المقابل، تحدث واقعة بحر عُمان في لحظة حرجة يتعرّض لها الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى مأزق في الكونغرس بسبب بيعه السلاح إلى السعودية بنحو 400 مليار دولار بذريعة "الحالة الطارئة". ولا ريب أن التصعيد في بحر عُمان على هذا النحو يعزز ذريعة ترامب ضد الكونغرس التي تلبي مصالح شركات السلاح التي تستخدم ميليشيات إجرامية بحسب تاريخها المعروف. وتلبي أيديولوجية بولتون وبومبيو كما تلبي مصالح معسكر الحرب السعودي ــ الإسرائيلي ــ الاماراتي.

تحدث الواقعة في مناخ مختلف عن مناخ التهديدات الأميركية التي أدّت إلى حشد حاملات الطائرات والأساطيل الأميركية في الخليج، ووصل التصعيد الأميركي إلى حافة الهاوية. فما أدّى إلى ذلك لبّى أحلام صقور الإدارة الأميركية وشركات السلاح ولبّى شهية معسكر الحرب الإسرائيلي ــ السعودي ــ الاماراتي. لكن هذا المناخ تراجع بشكل أحبط كل هذه الأطراف التي بدأت ترى أمكانية تبخّر أحلامها وشهواتها حين تراجع ترامب عن الشروط التي أعلنها بومبيو واكتفى بترجى قبول التفاوض من غير شروط مسبقة.

أمام هذا الاختلاف البيّن من غير المتوقع استسلام الصقور ومعسكر الحرب للأمر الواقع، ولعلهم يحاولون كل ما هو في العلن والخفاء لتغيير الوقائع أملاً بالعودة إلى حافة الهاوية. وقد يكون من المستبعد أن تبقى واقعة بحر عُمان هي المحاولة الأخيرة، لكن هذه المحاولات يمكن أن تنقلب على أعقابها في استمرار تهديد أمن الخليج. هذا الأمر قد يحتم انطلاق قطار الحوار الإقليمي كما يعبّر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف.