في ذكرى تموز، المقاومة في قلب المعادلات الاستراتيجية
عقد ونصف بعد انتصار المقاومة على العدوان الاسرائيلي، ولم تتكشّف بعد كل أبعاد هذا الانتصار الذي انتهى به زمن الهزائم بحسب السيد حسن نصر الله. لكن أثراً من آثار هذا التحوّل التاريخي، أن المقاومة أصبحت حجر الزاوية في تغيير المعادلات الدولية المعادية وفي إرساء معادلات استراتيجية على المستوى الإقليمي.
قد يكون من أهم قواعد القراءة العلمية للأحداث التاريخية الكبرى، هو منهج قراءتها من الحاضر إلى الماضي للوقوف على معظم أبعادها وتجلياتها. فانتصار المقاومة على العدوان الاسرائيلي في تموز/ يونيو 2006، لم يكن من الممكن اكتشاف كل أبعاده وتداعياته في خضم مجريات الأحداث والمتغيرات المكثّفة. لكن ما باتت عليه المقاومة من قدرات تشكّل الشغل الشاغل لإسرائيل وأميركا والدول الخليجية، تدلّ على أن ما حققه حزب الله في عدوان تموز مؤشر على انتصاره في الحرب مع إسرائيل في نهاية المطاف وليس فوزاً آنيّاً في معركة واحدة من المعارك.
تجاوز حزب الله القدرة على توازن الردع مع اسرائيل وهو التوازن الذي يمنع اسرائيل من شنّ العدوان احتساباً للخسائر التي تتلقاها مقابل عدوانها. وقد حاولت اسرائيل خوض هذه المغامرة أملاً بوقف مسار انتقال الحزب من القدرة على الردع إلى القدرة على التفوّق وإلحاق أعطاب جوهرية في قوّة إسرائيل الوجودية وقدرتها على السيطرة الإقليمية.
الدول الخليجية التي تصنّف حزب الله على لائحة الإرهاب وتخوض بكل ما تملك من أدوات الحرب الطائفية والتحريض معركة تشويه انتصارات المقاومة، تتخوّف من قدرة المقاومة على تهديد إسرائيل الوجودي. هو دأبها ضد الناصرية والحركات القومية العربية واليسارية والوطنية الفلسطينية، لأن إزاحة إسرائيل عن إعاقة مسار الاتحاد في المنطقة العربية يصيب الدول الخليجية في مقتل ادعائها الشرعية الإسلامية والعربية.
تحالف هذه الدول مع إسرائيل بذريعة أولوية التهديد الإيراني، يؤكد أن أولوية هذه الدول العدائية للقوى التي تتهدّدها في تهديدها لاسرائيل. ويؤكد أيضاً أن تقاطعاتها مع إسرائيل التي لا تعرض عليها أي فائدة عربية ولا مصلحة خاصة وعامة، أولى من تراكم التاريخ الجامع المشترك بين شعوب المنطقة من العرب والفرس والأتراك وغيرهم. وأولى مما تعرضه إيران على الدول الخليجية من فوائد الحوار والتعاون لوقف الانهيار في المنطقة. وفي هذه الأولويات لدول الخليج، لا يضيرها تدمير الدول العربية والحضارة العربية في سوريا واليمن والعراق إنما يضيرها مشاركة المقاومة وإيران مع الدولة السورية لوقف التدمير والقتل.
الولايات المتحدة تحت إدارة ترامب الأكثر رعاية وحماية لإسرائيل، أكثر وضوحاً وجرأة وصدقية في عدائها للمقاومة ولإيران. فهي تصنّف حزب الله على لائحة الإرهاب بتهمة تهديده لأمن اسرائيل. ولا تعادي إيران بسبب البرنامج النووي الإيراني أو غيره، بل بسبب تهديد إسرائيل بالقدرات الصاروخية البالستية بحسب تأكيد ترامب ووزير دفاعه وبسبب مساندتها لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين التي تدافع عن عروبة فلسطين وعن شعوب المنطقة ضد إسرائيل.
إسرائيل التي لا تطمئن إلى التحالف مع دول خليجية مزعزعة ولا تركن إلى خيمة ترامب من الصواعق، تسعى إلى بعض الاطمئنان في موسكو أملاً في ضبط المقاومة وإيران. لكن روسيا وهي غير معنية بشكل مباشر في الصراع ضد إسرائيل، ليس من مصلحتها ولا تستطيع لجم المقاومة في سوريا. فنتانياهو يطلب من بوتين العمل على إخراج إيران من سوريا وعدم الاحتفاظ بأي وجود عسكري أو اقتصادي أو ثقافي.
هو ما تراه وسائل الإعلام الخليجية أن الرئيس الروسي يعمل عليه بناء على اتفاق مع إسرائيل مقابل سيطرة الدولة السورية على الجنوب السوري وعلى الحدود مع إسرائيل والأردن. لكن موسكو تشترك مع الدولة السورية في استعادة الجنوب وهو ما وصفه السيد حسن نصر الله بأنه انتصار للمقاومة في عودة الجيش السوري إلى المعابر. وهو ما دعا المرشد السيد علي الخامنئي إلى مراسلة بوتين عبر مستشاره علي أكبر ولايتي للاتفاق على علاقة استراتيجية.
ما أوضحته موسكو بشأن هذه العلاقة الاستراتيجية مع إيران في العمل على حل الأزمة السورية وفي استثمار 50 مليار دولار في القطاع النفطي وأيضاً في مساندة إيران في الاتفاق النووي ورفض العقوبات، هي الموضوعات التي يؤكدها بوتين قبيل اجتماعه في هلسنكي لقطع الطريق على التأويلات للعلاقة بين موسكو وطهران. فالبوصلة الإيرانية نحو فلسطين ليست شأناً روسياً والمقاومة على هذا الطريق واسطة العقد.