كيف تواجه إيران الحرب الأميركية؟
الحرب الاقتصادية التي تشنّها الإدارة الأميركية ضد إيران، تستهدف تخريب الاقتصاد ــ الاجتماعي بما يؤدي إلى احتجاجات ومطالب معيشية مشروعة وإلى اضطرابات غير مشروعة لزعزعة الاستقرار والتدخلات الخارجية الغربية. لكن هذه الحرب يمكن أن تحوّلها إيران إلى فرصة في العمل على بناء اقتصاد مقاوم بحسب دعوة المرشد السيد علي خامنئي وهي :
لم يعد خافياً على الملأ أن انسحاب دونالد ترامب من الاتفاق النووي، ليس سببه البرنامج النووي الإيراني كما جرى التداول في هذا الشأن بل من أجل محاولة زعزعة الاستقرار في إيران. فالحصار الخانق الذي تضربه أميركا على المعاملات التجارية وعلى الشركات الأجنبية، يؤدي سريعاً إلى انخفاض سعر الريال الإيراني مقارنة بسعر العملات الصعبة.
الغلاء الفاحش في أسعار البضائع والسلع المستوردة من السوق العالمية، هو الذي يشكل متاعب لإيران في غلاء المعيشة الذي يدفع لاحتجاج قسم واسع من سكان المدن، واحتجاج قسم من تجار البازار الذين يعتمدون على الاستيرار والتصدير بالعملة الصعبة. وهذا المناخ من التوترالاجتماعي يشكل عادة بيئة ملائمة لتدخل أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية والغربية ومحاولة زعزعزة الاستقرار السياسي.
الإدارة الأميركية تحاول أن تنفض يديها من مسؤوليتها عن هذه الحرب الاقتصادية والسعي إلى تجويع الشعب الإيراني في المراهنة على استغلال المتاعب لمصلحتها خدمة لحلفائها في اسرائيل والخليج. فهي تتعمّد إغفال حجم الثروة الإيرانية التي تصادرها في أميركا والغرب منذ الثورة الإيرانية في مصارفها المركزية، وتغفل أيضاً حجم الخسائر الفادحة التي تتحملها إيران نتيجة العقوبات الجائرة وخرق الاتفاقيات التجارية المتعارف عليها في السوق الدولية، فتسعى إلى إشاعة خطاب صاحب دكان صغير بشأن انتاج الثروة الوطنية وعدالة توزيعها.
وزير الخارجية الأميركية مايك بوبيو، يشيح بوجهه عن أسباب الأزمة الاقتصادية التي تفرضها حكومته على إيران لمنعها من انتاج ثروة وطنية مرموقة بحسب قدراتها ومجهودات شعبها، فيدّعي أن الحكومة الايرانية تهدر الثروات الوطنية في سوريا ولبنان وفلسطين واليمن وفي العمل على تطوير برنامجها النووي. وعلى هذا المنوال في رؤية ساذجة مقصودة بشأن انتاج الثروة وتوزيعها، يدلو نتانياهو بدلوه في المعنى نفسه ويكتب ليبرمان الكلمات عينها باللغة الفارسية. لكن أنور قرقاش يضيف إليها " التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية العربية".
هذه الحملة الأميركية التي تنخرط فيها إسرائيل ودول خليجية وأجهزة أخرى، "لا يوجد إيراني واحد يقبل الخضوع لها أو الاستسلام أمام الضغوط الخارجية الاميركية" وفق تأكيد الرئيس حسن روحاني. فهو يتعهّد "التقليل من دفع الأثمان إلى الحد الأدني وتحمّل المصاعب وعدم المساومة على السيادة". فالحكومة تعمل على برنامج مؤلف من 5 بنود من ضمنها مواجهة البطالة، بحسب إعلان الرئيس حسن روحاني.
لكن الحرب التي تشنّها أميركا لتخريب الاقتصاد الإيراني وزعزعة الاستقرار، قد تكون المخرج الذي تتبناه أميركا وإسرائيل أمام عجزهما عن الحرب العسكرية والذهاب إلى النهاية في حرب اقتصادية خانقة. ولعل الحكومة الإيرانية تجد من الضروري إعادة النظر بخطة التنمية الخمسية السادسة لفترة 2016 ــ 2021 التي تستند إلى اصلاحات اقتصادية بحسب ما يصفه البنك الدولي بعوامل السوق في زيادة الاستيراد والتصدير والاحتكام إلى شروط السوق الدولية وسعر الصرف في العملات الصعبة.
السيد علي خامنئي الذي يدعو إلى التصدي بحزم للفساد والمفسدين، يطالب بأن تكون أوضاع العمل والمعيشة آمنة في ظل التعبير عن المطالب. فالمرشد الذي يتحفظ على عوامل السوق، اقترح منذ العام 2012 السعي لبناء اقتصاد مقاوم لتحصين الاقتصاد الاجتماعي من الخضوع للضغوطات الخارجية. وذلك في الاعتماد على تعزيز الانتاج المحلي مقابل ما يسمى الانفتاح والاعتماد على الاستيراد من السوق الدولية.
ففي مقابل وصفات البنك الدولي في حرية السوق والاستثمار الاجنبي المباشر، يقترح المرشد تعزيز الاستثمار المحلي وفرض ضوابط على الرأسمال. فإيران بلد يتوفر فيه معظم القدرات الطبيعية والبشرية لضمان الأمن الغذائي كما يصف أبعاده جان زيغلير الذي يواجه أسطورة ما يسمى "الثورة الخضراء" اعتماداً على حرية الرأسمال والشركات الكبرى متعدية الجنسية. وهي البلد الذي ينعم بالمعرفة والطاقة لمواجهة الغزو الاقتصادي الخارجي الذي يندد بآفاتها الخطيرة على الشعوب، صاحب جائزة نوبل في الاقتصاد الأشهر جوزيف ستيغليز.