كيف يسعى الجيش السوري للقضاء على طموحات أنقرة في عفرين؟

تبحث تركيا عن ورقة جديدة تضيفها إلى رصيدها على طاولة الحل السياسي. فعفرين نقطة هامة لأنقرة جغرافياً وداخلياً. وتعتبر منطقة الوصل بين مناطق النفوذ التركي في الشمال السوري. مسؤول أمني سوري يؤكّد أن التركيز التركي يصب على وصل منطقة سيطرة درع الفرات شمال شرق حلب، مع إدلب وأرياف حلب وحماة شمال غرب سوريا.

الدولة السورية وحلفاءها كانوا يتوقعون التهديدات التركية قبل بدايتها

وإذا تحقق هذا الهدف يمكن أن تعود أنقرة كلاعب أقوى على طاولة الحل السياسي. وربما تمسك في يدها التحكم بالشمال السوري بالكامل، مما يعوضها عن خسرتها بعد تحرير الجيش السوري وحلفائه لمدينة حلب قبل عام. كما أن المنطقة المذكورة تعتبر خزان مدينة حلب البشري، وتشكّل الحزام الجغرافي والزراعي لحلب وحماة، وفيها الموارد المائية وموارد الطاقة الرئيسية للشمال السوري، كما أنها من جرابلس إلى الباب في ريف حلب الشرقي إلى إدلب، تعتبر الحزام الجغرافي اللازم، لضمان تركيا الحفاظ على الفصائل المسلحة الخاضعة لإدارتها، كدرع يحمي الجنوب التركي من أيّ تهديد قد يرتد عليها من الفلتان الأمني داخل سوريا.

إضافة إلى ما سبق، تشكّل عفرين منطقة التهديد الإرهابي الذي روّجت له الحكومة التركية طوال السنوات الماضية، وهو ما تعوّل أنقرة أن تسجّل فيه نصراً يضاف إلى رصيد حكومة أردوغان داخلياً، ويصب في سجلها في مكافحة الإرهاب المتمثل بحزب "بي كي كي" الكردي. كما أن القضاء على تواجد هذا الحزب في عفرين ومنبج، يعني أن تركيا حققت الجغرافيا اللازمة، لإنهاء أيّ هاجس يمكن أن يكون مستقبلاً، ويصل الكرد بمنفذ بحري على المتوسط.

على مدار السنتين الماضيتين، ومنذ سيطرة الكرد قبل عامين على المنطقة الواقعة شرقي اوتستراد حلب ــ غازي عنتاب، من كفر ناصح وكفرنايا إلى تل رفعت ومنغ، إلى جانب بسط سيطرتهم على عشرات القرى في هذه المنطقة، كان الصوت التركي يرتفع ويهدد الكرد بأنها لن تسمح بتمدد وحدات حماة الشعب الكردية. لكن لم تتجاوز وتيرة التهديدات التركية حد القصف المدفعي، لنقاط وحدات حماية الشعب في منغ وتل رفعت وبعض القرى في ريف عفرين. والإجراءات التركية الحالية ليست المرة الأولى التي تنشر فيها تركيا قواتها مقابل الحدود مع عفرين في مدينة كليس التركية، ولكنها هذه المرة هي الأكثر عدداً والأعلى وتيرة من حيث التهديدات.

المصادر والمعلومات تؤكّد أن الدولة السورية وحلفاءها، كانوا يتوقعون التهديدات التركية قبل بدايتها، أي قبل شهرين تقريباً. وهي تؤكّد أن التنسيق بين الدولة السورية والكرد في عفرين بلغ ذروته قبل ثلاثة أشهر، ونتج عنه قبل شهر دخول مؤسسات الدولة السورية إلى مناطق سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية، في مدينة حلب من الشيخ مقصود إلى بستان الباشا والهلك. ونتج عن الإجتماعات المكثفة أيضاً انتشار أكثر من 300 عنصر من اللجان الشعبية السورية، بقيادة إيرانية على طول الشريط الفاصل، بين عفرين ومناطق سيطرة درع الفرات من اعزاز الى مارع. كما حافظت موسكو على تواجد قواتها في معسكر كفر جنة بريف عفرين الشمالي الشرقي ومطار منغ، وقد نشرت صوراً لتواجد الجنود الروس في هذه المناطق. أي أن الدولة السورية وحلفاءها كانوا يتوقعون محاولة تركيا اللعب على وتر عفرين. وهي ليست توقعات من الفراغ بقدر ما كانت نتيجة لقرار الجيش السوري بفتح معارك إدلب.

فمعلومات الرصد لدى الجيش وحلفائه كانت تؤكّد أن المنطقة في ريف حلب الجنوبي إلى ريف حماة الشمالي، تعاني من خلل كبير من حيث سيطرة الجماعات المسلحة المنشغلة في صراعها الداخلي، قبل ستة اشهر أكّدت المعلومات أن المنطقة شبه خالية من المسلحين ما عدا دوريات رصد وشرطة، وانشغل بقية المسلحين في صراعهم في إدلب.

التزم الجيش حالة ضبط النفس دون التقدّم لأن جغرافيا المنطقة تحتاج إلى أعداد كبيرة لتغطيتها عسكرياً، وهذا ما تحقق بعد الإنتهاء من معركة البوكمال. تحركت القوات في أرياف حماة وإدلب وحلب، انهيار الجماعات المسلحة، أفقد تركيا ورقة هامة بيدها على طاولة المفاوضات. لم يكتف الجيش بالسيطرة على منطقة شرق الطريق حلب حماة، بل تجاوز حدود السيطرة من شرق الطريق إلى غربه بـ 8كم. أي أن التهديد بات على أبواب إدلب، وهنا سيفقد التركي أهم أوراقه. وهذا ما يبرر إعادة فتح التركي للحدود مع سوريا وتسليحه للحزب الإسلامي التركستاني وأجناد القوقاز. طالبت أنقرة بإيقاف الجيش السوري وحلفائه لعملياتهم في إدلب، شكّل تهديد قاعدة حميميم رسائل أرادتها أن تصل إلى موسكو. لم تنفع التصريحات والرسائل التركية. فشلت محاولات التركستان وأجناد القوقاز وغيرها من الفصائل رغم التسليح الضخم من منع تقدم الجيش السوري. فكان البحث عن بديل.

ورقة ضغط تلعبها أنقرة وتكسبها على طاولة المفاوضات، أعاد أردوغان عفرين إلى الواجهة بقوة. المراقب للتهديدات التركية لعفرين يرى فيها تزامن مع المطالبة بإيقاف الجيش السوري لعملياته في إدلب. وزير الخارجية التركي "مولود جاويش اوغلو" كان الأكثر صراحة في المطالبة والربط. فطالب أكثر من مرة بإيقاف العمليات العسكرية في إدلب مع رفعه لهجة التهديد ضدّ عفرين. في عفرين تدرك أنقرة أن دخول عفرين ليست نزهة. فالمنطقة تشكّل نفوذاً لجناح من مسلحي البي كي كي، الأقرب إلى روسيا وإيران وسوريا. وقد لا تتمكن تركيا دخول هذه المنطقة من دون الحصول على ضوء أخضر سوري وهو ما فشلت تركيا في تحقيقه على ما يبدو بحسب ما تلمّح تركيا إليه مؤخراً وبحسب تصريح جاوييش أوغلو "ننسق مع إيران وموسكو للسماح بمشاركة طائراتنا في معارك عفرين" أي أن كسر الخطوط الحمراء هنا لن يرتطم في الصخرة السورية فقط، بل في صخرة إيران وروسيا. ولعل تصريح نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد كان الرسالة الحاسمة في قوله:" دفاعاتنا الجوية باتت على تامة الجهوزية للرد على أيّ خرق تركي يستهدف عفرين خاصة".

الدبلوماسي المخضرم السوري اعتاد أن يتحدث ارتجالاً، لكن حرصه على قراءة كلمات مكتوبة يدل على أن كلام المقداد ناتج على قرار عسكري وسياسي سوري، بعد أقل من 4 ساعات من كلام جاويش اوغلو عن التنسيق مع روسيا إيران. ماذا تغير لتصرح تركيا أنها تنسق مع طهران وموسكو.

بعد قصف مسلحي درع الفرات لمقرات وحدات حماية الشعب الكردية، قرب معسكر كفر جنة قبل أيام، جاء الرد عليه بقصف نقاط تمركز الرتل العسكري التركي غربيّ أعزاز. إعلامياً خرجت الأخبار أن وحدات حماية الشعب قصفت شرق أعزاز، في وقت تسربت بعض الأنباء التي تقول أن القصف للمنطقة جاء من مدفعية جنوب كفرنايا. أي أنها من منطقة التنسيق المشترك بين الكرد والدولة السورية واللجان الشعبية السورية العاملة مع القيادات الإيرانية. الرسالة نتج عنها إدراك أنقرة، أن عفرين ليست قراراً تركيا فحسب. إنما الدخول في ثنايا جغرافيا هذه المنطقة لا يمكن أن يكون إلا بقرار مشترك توافق عليه علانية أو بضوء أخضر سوري تنقله لأنقرة كل من روسيا وإيران.