التحالف القطري- التركي: الأبعاد والأهداف

الرد على هذه الأسئلة والتساؤلات سيكون كافياً لفهم مغزى التحالف التركي-القطري وهدفه، وقد تريد له واشنطن ولوبياتها اليهودية أن يمهد لمرحلة ما بعد "صفقة القرن".

  • التحالف القطري- التركي: الأبعاد والأهداف
    الرئيس التركي وأمير قطر (صورة أرشيفية)

 

بدأ التنسيق والتعاون بين تركيا وقطر بانفتاحهما معاً على سوريا بعد عام من استلام حزب العدالة والتنمية السلطة نهاية العام 2002، إذ جاءت مشاركة كل من الرئيس عبدالله غول وأمير قطر حمد آل ثاني في حفل إعلان دمشق عاصمة الثقافة العربية في 20 كانون الثاني/يناير 2008 (لم يحضر أحد من الزعماء العرب)، تأكيداً لهذا التنسيق الذي انكشفت نياته وأهدافه في السنوات اللاحقة، وكنت شاهداً على أدق تفاصيله، بما في ذلك القمة الرباعية بين كل من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء آنذاك رجب طيب إردوغان وأمير قطر حمد آل ثاني والرئيس السوري بشار الأسد في دمشق في 4 أيلول/سبتمبر 2008، والتي جاءت بمثابة الخطوة العملية الأولى على طريق تفعيل هذه النيات، وهو ما تحقق مع ما يسمى بـ"الربيع العربي".

وقال البعض إن أحد أسبابه في سوريا هو رفض الرئيس الأسد الاقتراح الفرنسي التركي القطري لنقل غاز قطر ودول المنطقة إلى تركيا عبر سوريا، ومنها إلى أوروبا، لينافس الغاز الروسي والإيراني.

وباعتراف رئيس وزراء قطر السابق، حمد بن جاسم، في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2017، يحمل التنسيق التركي-القطري-السعودي-الأميركي، ومعه الإماراتي، مسؤولية دعم كل الجماعات المسلحة في سوريا اعتباراً من العام 2011.

وتحولت تركيا بعدها إلى ساحة رئيسية لهذا الدعم، وتأسّس فيها ما يسمى الجيش الحر والمجلس الوطني المعارض، ثم تحولت هذه الساحة إلى مركز رئيسي لمجمل التطورات السورية سياسياً وعسكرياً وأمنياً، وكتبت عن ذلك 4 كتب باللغة التركية.

 كما أدت تركيا دوراً أساسياً وعملياً وفعالاً مع قطر في كل القرارات العربية والإسلامية والدولية ضد سوريا، بما في ذلك تعليق عضويتها في الجامعة العربية، ولولاها، أي تركيا، لما تجرأت الدول العربية، وفي مقدمتها الخليجية، على القيام بأي عمل عسكري ضد هذا البلد العربي. 

كما أدت هاتان الدولتان الحليفتان لأميركا بأكبر قواعدها الموجودة في تركيا وقطر، دوراً ريادياً في تبني جماعات الإخوان المسلمين وتنظيماته، ليس فقط في سوريا، بل في كل دول "الربيع العربي" وغيره.

وجاء هذا التبني على الرغم من إعلان السعودية، ومعها الامارات ومصر، هذه المجموعات في تموز/يوليو 2013 تنظيمات إرهابية. 

لاحقاً توترت العلاقة بين قطر والسعودية وانضمت إلى الأخيرة كل من أبو ظبي والمنامة والقاهرة في حزيران/يونيو 2017، ليضع هذا الأمر الدور التركي في موقع متقدم، عبر المزيد من الدعم المالي القطري الكبير أولاً للاقتصاد التركي، وثانياً لكل تحركات الرئيس إردوغان العسكرية والسياسية والأمنية والاستراتيجية والعقائدية في سوريا وليبيا والصومال وباقي دول المنطقة، بل والعالم أجمع. ويسعى الرئيس إردوغان لجمعها تحت راية الخلافة والسلطنة العثمانية السنية التي أرادت لها آنذاك السعودية والإمارات وقطر والبحرين أن تواجه إيران الشيعية!

ولم تمنع الخلافات القطرية (ومعها تركيا) مع السعودية وحليفاتها جميع هذه الدول من الاستمرار في سياساتها التقليدية ضد سوريا، التي يبدو أن الدوحة أرادت من ساحتها أن تساعدها للقضاء على الدور السعودي في المنطقة، لتحل محلها في الولاء العشائري المطلق لأميركا، وهو ما يحتاج إلى حليف قوي إقليمياً ودولياً كتركيا، ومعها حركات الإخوان المسلمين، التي ما زال الغرب يضع من أجلها العديد من الحسابات المستقبلية، وهو ما يفسر تعيين الناشطة اليمنية الإخوانية توكل كرمان (تحمل الجنسية التركية أيضاً) لعضوية مجلس الإشراف على محتوى فايسبوك، بعد أن منحت جائزة نوبل للسلام في العام 2011، "تكريماً" لدور الإخوان في "الربيع العربي". 

وساعد هذا "الربيع" الرئيس إردوغان على سحب البساط من تحت أقدام آل سعود، فأعلن نفسه حامي حمى الإسلاميين في العالم، ولكن بالمال القطري مع الخلاف بين آل سعود وآل ثاني حول من هو الوهابي الأصلي أو من هو الأطول، الأمير تميم أم الأمير محمد بن سلمان!

ولم يخفِ حكام الدوحة مشاعر هذا الخلاف ونياته في أحاديثهم مع الأميركيين والإسرائيليين سراً، وهو ما سمعناه في التسريبات الصوتية لكل من حمد بن خليفة وحمد بن جاسم في أيار/مايو 2012، إذ تحدثا عن مساعي الدوحة لإسقاط الأسرة الحاكمة في السعودية، متوقعان أن يزول حكم آل سعود خلال 12 عاماً مر منها 8 أعوام.

وقد يحل بعدها آل ثاني محل آل سعود في خدمة المشروع الأميركي/الإسرائيلي بمراحله اللاحقة، لتطبيق المشروع الصهيوني الجديد "صفقة القرن"، وهو ما يحتاج إلى مزيد من الدعم التركي للدوحة، وفيها حوالى 10 آلاف عسكري تركي قرب قاعدتي السيلية والعديد الأميركية، وقيل إنهم تدخلوا لحماية الأمير تميم خلال تمرد أقربائه عليه بداية الشهر الجاري، وهو أمر خطير، إن كان صحيحاً. 

ويعرف آل ثاني أن وضعهم ليس سهلاً مع آل سعود من دون الدعم التركي (المدفوع له سلفاً)، وخصوصاً بعد أن قال عنهم أكثر من 200 شخص ينتمون إلى آل الشيخ في السعودية أن لا علاقة لهم بمحمد بن عبدالوهاب والوهابية التي خدمت المشروع الإمبريالي الصهيوني بالمال والمذهب منذ أول لقاء بين الملك عبدالعزيز والرئيس الأميركي روزفلت في 14 شباط/فبراير 1945.

وكان هذا اللقاء بداية التآمر السعودي على العالم العربي، ليساهم ذلك في قيام الدولة العبرية (1948)، وخلق المزيد من المشاكل لدول المنطقة، بفضل آل سعود ومذهبهم المتطرف والخطير، وكانت قطر آنذاك مستعمرة بريطانية حتى العام 1971. 

وأدت تركيا، على الرغم من خلافها التاريخي مع آل سعود، دوراً مهماً في مجمل هذه التطورات، إذ اعترفت بـ"إسرائيل" بعد أشهر من قيامها، ثم ساهمت في المشروع الأميركي الإسرائيلي الإقليمي عبر حلف بغداد والأطلسي وعشرات القواعد الأميركية على أراضيها، وما زال البعض منها موجوداً بقنابلها النووية، إلى جانب عشرات القواعد في جميع دول المنطقة التي تجاور سوريا وإيران ومعاً.

وأياً كانت الأسباب الحقيقية "للمنافسة" بين آل سعود وآل ثاني، فالجميع يعرف أن الكفة تميل لصالح السعودية، ليس فقط بعدد سكانها ومساحتها وثروتها النفطية الكبيرة المدعومة من آل نهيان، بل لأن في أراضيها مكة المكرمة والمدينة المنورة، التي لا يمكن لدولة صغيرة مثل قطر أن تتصدى لها إلا بدولة تملك معطيات شبيهة كتركيا بخلافتها وسلطنتها العثمانية التي حكمت المنطقة 400 عام. 

هذا هو سر التودد والتقارب، ثم التحالف القطري منذ بدايته، مع تركيا بمساحتها وسكانها وإمكانياتها، وأخيراً بتاريخها المليء بذكريات العداء لآل سعود منذ تمردهم ضد الدولة العثمانية اعتباراً من العام 1790، وهو ما يفسر عدم ذهاب أي من السلاطين العثمانيين إلى الحجاز لأداء فريضة الحج. 

كما لا ينسى آل سعود كيف قضى إبراهيم باشا، نجل محمد علي باشا، على تمردهم، وأسر عبد الله بن سعود، وأرسله إلى إسطنبول في شباط/فبراير 1820، فأمر السلطان محمود الثاني بقطع رأسه. هذا بالطبع من دون أن نتجاهل احتمالات السيناريوهات التي تقسم الأدوار لمن يتشجع لها برضا أو من دونه، وخصوصاً إذا كان المخرج هو الحليف الأكبر للجميع، أي واشنطن، التي نجحت في التعامل مع كل اللاعبين بذكاء، أياً كانت مواقعهم ومستوياتهم. وإلا ليس هناك أي تفسير منطقي ومقبول لما نراه من "خلافات وتوترات ومواجهات وتمثيليات" بين آل سعود وآل ثاني وآل نهيان وبين أطراف أخرى تأتمر جميعاً بأوامر "المعلم الأكبر" ترامب، الذي لا يتردد في إهانة الجميع وفق مزاجه، ولا يستطيع أحد أن يرد عليه. 

والسؤال: هل ترامب عاجز عن تحقيق المصالحة بين قطر وكل من السعودية ومصر والإمارات؟ هل يستطيع منع الأمير الشاب تميم من دعم تركيا، التي لولا المال القطري الكبير والخلافات العربية-العربية، لما استطاعت أن تقوم بما تقوم به الآن سياسياً وعسكرياً وعقائدياً في ليبيا وسوريا والعراق والصومال، الذي شهد عملية تحرير ناشطة إيطالية من قبل المخابرات التركية، المدعومة بالمال القطري، المدفوع لحركة الشباب التي أخلت سبيل الإيطالية. 

الرد على هذه الأسئلة والتساؤلات سيكون كافياً لفهم مغزى التحالف التركي-القطري وهدفه، وقد تريد له واشنطن ولوبياتها اليهودية أن يمهد لمرحلة ما بعد "صفقة القرن"، بعد الاستسلام السعودي أو زوال حكم آل سعود، كما توقعه الأمير الأب حمد بن خليفة آل ثاني. 

وأثبتت السنوات القليلة الماضية استمرار دور آل ثاني المهم إقليمياً منذ أن أطاح الأمير حمد بوالده أحمد، ثم تخلى عن الحكم لنجله تميم قبل انقلاب السيسي بأيام قليلة. وتحولت الدوحة إلى مأوى للإخوان المسلمين، جنباً إلى جنب مع إسطنبول، التي أصبحت لاعباً رئيسياً بسبب الفراغ السياسي والعسكري في المنطقة، وسببه الأزمة السورية بكل تبعاتها ومعطياتها وتطوراتها وسيناريوهاتها المحتملة داخلياً وعربياً وإقليمياً ودولياً !

وإلا لماذا أرادت قطر بعدد سكانها الذي لا يتجاوز 600 ألف، ومساحتها التي تزيد قليلاً على 11 ألف كم مربع، أن تؤدي أدواراً إقليمية ودولية يثبت من خلالها آل ثاني أنهم الأهم من آل سعود وآل نهيان، ليس فقط بالاستثمارات في الغرب، بل بالسلاح العقائدي، الذي يتمثل بالإخوان المسلمين وولائهم الآن لإسطنبول، بعد أن كانوا على بيعة حكام الرياض، وهم الآن، ومعهم حكام أبو ظبي، في مرمى نيران الرئيس إردوغان وإعلامه، الذي يتحدث عن ضرورة إعلان الحرب على آل سعود وآل نهيان والتخلص منهما معاً.