هل يقضي وباء كورونا العالمي على أحلام ترامب؟
الرئيس الأميركي الذي وصل إلى الحكم استناداً إلى استنفار الشعبوية الأميركية بسردية أميركا فوق العالم في ازدهار المال والأعمال، يصطدم بأن الولايات المتحدة هي في نفس المركب الذي يهدد العالم بمخاطر جسيمة ويصيب أوهام ترامب الشعبوية في الرأس.
ردّاً على ادعاءات الرئيس الأميركي بأنه يحمي أميركا من تفشّي وباء كورونا، تكشف صحيفة "واشنطن بوست" أن بعض البلدان تنجح في مكافحة تفشّي الوباء وليست أميركا من بينها، في إشارة إلى جهود الصين وإيران للحد من الانتشار. الصحيفة تعزو السبب إلى أن ترامب "ينظر في كل شيء من منظوره النرجسي"، والحقيقة أمرّ من ذلك بكثير. فهو ينظر في كل المخاطر التي تهدّد طبيعة الكون والجنس البشري بمنظور استحواذ المال وبمنظور تفوّق العرق الأبيض الذي يتوهم أنه محمي من المخاطر الطبيعية والكونية. فعلى هذه الأوهام الخرافية الذي روّجها في أعماق أميركا الشعبوية، بنى أمجاد سطحية عابرة لا تلبث أن تكشفها المخاطر العالمية الحقيقية، وتهدّد بانهيار الاقتصاد الاميركي الذي يعوّل ترامب على استثماره مجدّداً في إعادة انتخابه.
قبل وباء كورونا عرّى ترامب منظوره في نظرته لآفة احترار الكوكب ونتائج التغيّر المناخي، باعتقاده محاربة ما سماه "أنبياء الشؤم" الذين يدعون إلى احترام توازنات الطبيعة في الحدّ من الاستهلاك البذيء وانبعاثات الكربون. في هذا السياق لم يكن مستغرباً اعتقاد ترامب بعدم امكانية أصابته بالعدوى ورفضه اجراء فحص طبي إثر لقائه وزير الاتصالات البرازيلي المصاب بالمرض. ففي خطابه المتلفز بعد تململ الولايات الاميركية من انتشار كورونا، استعاد ترامب بأن أميركا محمية استناداً إلى نظرته في هوية المرض العرقية والدينية واتهامه الصين وإيران. وفي هذه النظرة حاول تسجيل مكاسب سياسية ضد إيران في عرضه "المساعدة" للدلالة على حصانة أميركا الطبية مقابل إيران التي يتخيّل أطباءها أقل شأناً من الآخرين بينما يفرض عليهم حرب العقوبات لتقليل فعالية إمكانياتهم.
لكن الضجّة التي ثارت في أميركا ضد استهتار ترامب في نظرته إلى مخاطر أعمق من الانتماء العرقي والديني ولون البشرة، اضطره إلى التراجع في إعلان حالة الطوارىء وتخصيص خمسين مليار دولار أملاً بمواجهة التفشي واضطره إلى الثناء على الجهود الصينية ولم يعترف بالجهود الإيرانية التي تشير إليها بالثناء منظمة الصحة العالمية. لكن تراجع ترامب أمام بعض الحقائق، لا يشي بتغيير منظوره الذي يهدّد بالقضاء على أحلامه أمام الحقائق المتفاعلة التي تتجه إلى انهيار اقتصادي شامل يقدّره الخبراء بنحو 5 ــ 10 أضعاف الانهيار في أزمة الرهن العقاري العام 2008.
الرئيس الأميركي الذي يشذّ عن رؤساء العالم وعن شبهه التوأم رئيس الوزراء البريطاني، في النظر إلى انتشار الوباء، لا يزال يعوّل على المال في انقاذ نفسه من استفحال التهديدات والمخاطر. فرئيس معهد الأمراض المعدية في أميركا أنثوني فوسي، يتوقع إصابة نحو مليوني ونصف بالعدوى خلال الأسابيع المقبلة، وبموزاة التوقعات المركزية يعلن عمدة واشنطن موريل باوزر حالة الطوارىء العامة ويقرع حاكم أوهايو التعبئة العامة ويعلن حاكم مقاطعة تكساس غريغ آبوت ولاياته أرضاً منكوبة.
لكن إلى جانب حكام الولايات والمقاطعات، تستخلص الفرَق الطبية أن كورونا يكشف فشل نظام الرعاية الصحية الأميركي المتوقع له أن يغرق في ارتباك كامل في الأسابيع المقبلة. في هذا الأمر توضّح مجلة "نيوزويك الأميركية" أن المستشفيات الأميركية تعاني نقصاً فادحاً في الطواقم الطبيّة والأسرّة بالمقارنة مع الامكانيات الطبية في الصين وإيطاليا. وعلى الرغم من ذلك يحرص ترامب على عدم إجراء الفحوصات الضرورية إذا لم تظهر على المصاب أعراضاً واضحة، خلافاً للصين وإيران وسنغافورة بناء على توصيات منظمة الصحة العالمية.
ما يهدّد أحلام ترامب في المقام الأول تداعيات الوباء على الاقتصاد الأميركي الذي يعتمد عليه لتسويق نجاحه في الانتخابات. فوزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير يشير إلى الذعر والرعب في الأسواق دلالة على الزلزال الكبير في البورصات والشركات الكبرى والمصارف والأزمة التجارية ويتقاطع في هذا الشأن مع وزير الخزانة الأميركية. ولا يقتصر الذعر والهلع على الأسواق وحدها، إنما يتعدّى ذلك إلى مخاطر شلل المؤسسات في كل الدول وحركة النقل والتنقّل الداخلي والخارجي، ما يؤدي إلى انهيار اقتصادي عميق واسع قد لا ينجح ترامب باستخدامه في وعوده الشعبوية المعتادة وخصوصاً إذا توسّع القلق العام في أميركا الذي يشير إلى مسؤولية ترامب عن انتشار الوباء في الولايات المتحدة.