سلاح جديد يعزز إمكانية لجوء أميركا للخيار النووي

 خبر مقتضب صدر عن البنتاغون يؤكد تجديد واشنطن توجهها لسباق تسلح نووي، من خلال تزويد غواصاتها سلاحاً نووياً "جديداً" اعتبرته حيوياً لمواجهة "التهديد الذي تشكله الترسانة الروسية" بينما العالم بأكمله يزداد اضطراباً وقلقاً.

  • سلاح جديد يعزز إمكانية لجوء أميركا للخيار النووي
    وزارة الدفاع الأميركية تعلن عن نشرها "سلاحاً نووياً منخفض القوة"

أعلنت وزارة الدفاع الأميركية، 4 شباط/فبراير الجاري، عن نشرها "سلاحاً نووياً منخفض القوة" ينطلق من الغواصات، قوته نحو 5000 طن، ويعادل تفجيره ثلث نطاق دمار القنبلة النووية التي أسقطتها واشنطن على مدينة هيروشيما في آب/أغسطس 1945.

وكيل وزارة الدفاع، جون رود، أوضح أن "البحرية الأميركية نشرت رأساً صاروخياً من طراز W76-2 . السلاح النووي الجديد يعدّ نموذجاً معدلاً من الرأس الحربي W76-1 الموجود سابقاً،" يستخدم لتسليح غواصة تطلق صواريخ Trident II : D-5، وبالتالي فإن السلاح الجديد لا يضيف إلى إجمالي عدد الأسلحة النووية في الولايات المتحدة؛ وذلك بحسب تقرير لشبكة سي أن أن (5 شباط فبراير الجاري).

من أبرز خصائص "السلاح الجديد" قدرته العالية على "اختراق أهداف في عمق الأراضي التي لا تستطيع الطائرات (القاذفة) الحالية القيام بها باستخدام أسلحة نووية ذات مردود منخفض،" وفقاً للأستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، فيبين نارانغ Vipin Narang .

الترسانة الأميركية النووية المماثلة تتضمن صواريخ برؤوس حربية نووية أشد فتكاً ودماراً: نموذج W76-1 تبلغ قدرته التدميرية 90،000 طن، والنموذج W88 بقوة تدميرية تعادل 455،000 طن، لاستخدامه في استهداف التحصينات الأرضية.

كما تتضمن الترسانة "عدداً كبيراً من الرؤوس النووية أحد مزاياها أنها منخفضة الطاقة – نحو 1000 رأس، تشمل صواريخ باليستية نووية تطلق من القاذفات الاستراتيجية بـ52، وقذائف بـ61 النووية الحرارية (من دون جهاز توجيه) ومقاتلات تكتيكية." (دراسة لاتحاد العلماء الأميركيين، 29 حزيران يونيو 2017).

إعلان وزير الدفاع يأتي ثمرة وثيقة أصدرتها البنتاغون، تقرير استعراض الموقف النووي لعام 2018، دعا فيها إلى "توسيع خيارات الولايات المتحدة النووية المرنة الآن، لتشمل خيارات منخفضة العائد، وهو أمر مهم للحفاظ على ردع موثوق به ضد العدوان الإقليمي. إنه سيساعد على ضمان ألا يدرك الخصوم المحتملون أي ميزة ممكنة في تصعيد نووي محدود".

توسيع القدرات النووية المنخفضة القوة، كما في توصيات التقرير، تلتها سلسلة تصريحات تفيد بأن واشنطن ستجري تعديلاً على عدد محدود من الرؤوس الحربية الموضوعة على متن صواريخ باليستية تنطلق من الغواصات بذخائر منخفضة القوة كجزء من برنامج مدته 5 سنوات بقيمة 50 مليون دولار، تحمل كل غواصة عدداً قليلاً من هذه الصواريخ الجديدة، ومسلحة بشكل أساسي بصواريخ استراتيجية بعيدة المدى.

فريق إشعال الحروب في المؤسسة الأميركية يبرر وجهة نظره بأن تحميل تلك الذخيرة النووية، W76-2، على متن طائرات مقاتلة قد يعرضها للاعتراض قبل اختراقها نظم الدفاعات الجوية الروسية المتطورة، بيد أن نشرها على متن غواصات مزودة بصواريخ باليستية من طراز "ترايدنت Trident" في أعماق البحار يشكل ضمانة أعلى لوصول السلاح لأهدافه.

إن نشر رؤوس حربية نووية منخفضة القوة يشكل مدخلاً رئيساً في مفهوم ما يسمى بالحرب النووية الصغيرة، وفق علماء الطاقة والأسلحة النووية، والتي بموجبها يمكن للولايات المتحدة استخدام الأسلحة النووية ضد أي دولة في النزاعات المحلية.

أصدرت الهيئة الوطنية للأمن النووي، التابعة لوزارة الطاقة الأميركية، تقريرها للكونغرس بعنوان إدارة مخزون الترسانة وخطة الإدارة، تموز/يوليو 2019، شددت فيه على مزايا "الذخيرة النووية منخفضة الطاقة W76-2" بأنه سيكون "بالمستطاع تصميم رد يردع والتحكم به وفق التهديدات الناشئة .. وتوفير قدرات مضمونة (للولايات المتحدة) للرد بالمثل على أي نوع من هجوم بالأسلحة النووية منخفضة الطاقة".

تجدر الإشارة إلى  أن العقيدة العسكرية التي بلورتها واشنطن واستمرت بالتشبث بها قوامها "التصعيد لخفض منسوب التصعيد"، كجزء من استراتيجيتها الكونية ووحدانية القطبية، ورفضت بشدة مناشدة القوى الدولية التعهد "بعدم اللجوء لاستخدام الأسلحة النووية" كخيار أول. بينما أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عدم استخدام بلاده الأسلحة النووية في سياق حروب استباقية (محطة أوروبا الحرة الإذاعية، 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2018).

بالمقابل، يدرك الطاقم الاستراتيجي الأميركي امتلاك كل من روسيا والصين مفاتيح علم الفيزياء الخاص بأسلحة نووية منخفضة الطاقة، وربما ذهبتا بعيداً في إنتاجها. وعليه، وفق المنطق أعلاه، ينبغي بلورة رد أميركي رادع في حال استخدمت روسيا ذاك السلاح في سياق نزاع عالمي على ضوء عدم توفر سلاح مماثل في ترسانة واشنطن.

حينئذ، رسى الأمر على خيار نشر أسلحة نووية منخفضة الطاقة تطلق من على متن غواصات في أعماق البحار لخاصيتها في التخفي واستهداف مناطق استراتيجية لدى الخصم والتغلب على منظوماته المتطورة للدفاع الجوي.

خبراء الأسلحة النووية، في الجانب الأميركي، لا يستبعدون تسخير واشنطن تلك الترسانة في مواجهة أقل كلفة مع إيران وكوريا الشمالية "لا ينجم عنها أضرار جانبية"، مقارنة بالخيار النووي التقليدي.

ويرجحون أيضاً امتلاك "إسرائيل" أسلحة نووية رديفة لما توفره من إغراء ناجم عن قدرة تفجيرية محدودة نسبياً وانتشار إشعاعات نووية أقل نطاقاً.

احتمالات الخطأ

أجهزة الرصد والاستشعار للأسلحة النووية، عند القوتين العظميين، تخفق في التمييز بين مقذوف نووي "منخفض الطاقة" أو رأس نووي تقليدي أشد تدميراً. مناوئو الخيار النووي في الولايات المتحدة يستندون إلى الحقيقة التقنية أعلاه للدلالة على ارتفاع منسوب اشتباك الدولتين نتيجة سوء تقدير يحتم على الخصم الروسي إطلاق هجوم معاكس كبير يؤدي إلى كارثة بشرية غير مسبوقة.

ضابط الأسلحة النووية في سلاح الجو الأميركي السابق، بروس بلير، وبحكم عمله ومعارضته لاستخدام الأسلحة النووية حذر من "حملة التضليل الذاتي ومفادها استسهال استخدام الأسلحة النووية منخفضة الطاقة في نزاع مقبل (مشدداً على أن) أي استخدام لذاك السلاح المنصوب في عباب البحار سيعزز إشعال نار الصراعات وتصعيد وتيرتها إلى حرب نووية شاملة".

وناشد بلير صناع القرار بالإحجام عن الرد بالمثل النووي، إن تعرضت القوات الأميركية لعدوان، واللجوء عوضاً عن ذلك إلى تسخير ترسانة الأسلحة التقليدية الهائلة وقدراتها التدميرية الفائقة.

تدرك الولايات المتحدة أن إدامة هيمنتها ونفوذها على العالم لا يتأتى إلا بالقوة العسكرية الصرفة والتهديد بها، والعالم بأجمعه أضحى متيقناً أنه ليس بوسعها معالجة التحديات العالمية بالوسائل السياسية ودوماً تلوح باستخدام أسلحة دمار شامل. السلاح النووي هو ما جربته سابقاً وقد تلجأ إليه في مرحلة وظروف معينة، ضد أهداف استراتيجية محمية بشدة في باطن الأرض، لذا طوعت العلم لتطوير ذخيرة نووية منخفضة الطاقة بوسعها تدمير التحصينات، أدنى مرتبة من شن حرب نووية شاملة - نظرياً. لكنها تخشى الرد، ليس من روسيا فحسب بل من الصين وكوريا الشمالية وربما إيران.